إلى نقلها ؛ لكثرتها ومعروفيّتها ، ولا نصيب للعامل إلَّا بنيّته ومقدارها وكيفيّتها . والشاهد عليه ما روي عن رسول اللَّه - صلَّى الله عليه وآله - أنّه قال : « إنّما الأعمال بالنيّات ، ولكلّ امرئ ما نوى ، فمن غزا ابتغاء ما عند اللَّه فقد وقع أجره على اللَّه ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلَّا ما نوى » [1] . وفي وصيّة رسول اللَّه - صلَّى الله عليه وآله - لأبيّ ذرّ : « وليكن لك في كلّ شيء نيّة ، حتّى في النوم والأكل » [2] . فالنيّة بمعنى : قصد التقرّب من اللَّه سبحانه هي روح العمل الذي بها يحيى وبدونها يموت ، ولا أثر للميّت ، وبها تصحّ العبادة ، وبدونها تبطل . وحيث إنّ للنيّة درجات فللصحّة مراتب وإن كانت مشتركة في أصل الامتثال ، وسقوط الإعادة أو القضاء ولكن لكلّ من تلك المراتب ثواب يختصّ بها ، وقرب يحصل منها ، ولا يحصل ذلك الثواب أو القرب بدونها . وحيث إنّ المواقف الهامّة يوم القيامة ثلاثة : من النار ، والجنّة ، والرضوان - كما أشار إليه قوله تعالى * ( « وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ ا للهِ وَرِضْوانٌ » ) * [3] ، وأنّ الشؤون العمليّة الرئيسيّة للنفس الإنسانيّة ثلاثة أيضا : من الغضب الدافع للمنافي ، والشهوة الجاذبة للملائم ، والعقل العمليّ الشائق للكمال التامّ المجرّد المعقول - فلذا صارت العبادة ثلاثة أقسام ، وصار العبّاد ثلاثة [4] ، حيث إنّ قوما يعبدون اللَّه سبحانه خوفا من النار وتلك عبادة العبيد ، وإنّ قوما يعبدونه تعالى شوقا إلى الجنّة وتلك عبادة الحرصاء ، وإنّ قوما يعبدونه تعالى حبّا له تعالى وتلك عبادة الأحرار الكرام . وكلّ واحدة من هذه العبادات الثلاثة صحيحة وإن كانت للصحّة مراتب في الثواب حسبما أشير إليه ؛ لأنّ كلّ واحدة منها للَّه تعالى لا لغيره محضا ، ولا له ولغيره
[1] جامع أحاديث الشيعة : ج 1 ص 358 . [2] المصدر نفسه : ص 359 . [3] الحديد : 20 . [4] جامع أحاديث الشيعة : ج 1 ص 373 .