نام کتاب : اختيار مصباح السالكين نویسنده : ابن ميثم البحراني جلد : 1 صفحه : 456
ولقد نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصّب لشيء من الأشياء إلَّا عن علَّة تحتمل تمويه الجهلاء ، أو حجّة تليط بعقول السّفهاء ، غيركم ، فإنّكم تتعصّبون لأمر لا يعرف له سبب ولا علَّة : أمّا إبليس فتعصّب على آدم لأصله ، وطعن عليه فى خلقته . فقال : ( أنا نارىّ وأنت طينىّ ) وأمّا الأغنياء من مترفة الأمم ، فتعصّبوا لآثار مواقع النّعم ، فقالوا : * ( ( نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وأَوْلاداً ، وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) ) * . فإن كان لا بدّ من العصبيّة فليكن تعصّبكم لمكارم الأخلاق ، ومحامد الأفعال ، ومحاسن الأمور الَّتى تفاضلت فيها المجداء والنّجداء من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل ، بالأخلاق الرّغيبة ، والأحلام العظيمة ، والأخطار الجليلة ، والآثار المحمودة . فتعصّبوا لخلال الحمد : من الحفظ للجوار ، والوفاء بالذّمام ، والطَّاعة للبرّ ، والمعصية للكبر ، والأخذ بالفضل ، والكفّ عن البغى ، والإعظام للقتل ، والإنصاف للخلق ، والكظم للغيظ ، واجتناب الفساد فى الأرض . واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات ، بسوء الأفعال ، وذميم الأعمال ، فتذكَّروا فى الخير والشّرّ أحوالهم ، واحذروا أن تكونوا أمثالهم فإذا تفكَّرتم فى تفاوت حاليهم ، فالزموا كلّ أمر لزمت العزّة به شأنهم ، وزاحت الأعداء له عنهم ، ومدّت العافية فيه بهم ، وانقادت النّعمة له معهم ، ووصلت الكرامة عليه حبلهم من الاجتناب للفرقة ، واللَّزوم للألفة والتّحاضّ عليها ، والتّواصى بها ، واجتنبوا كلّ أمر كسر فقرتهم وأوهن منّتهم : من تضاغن القلوب ، وتشاحن الصّدور ، وتدابر النّفوس ، وتخاذل الأيدى ، وتدبّروا أحوال الماضين المؤمنين قبلكم : كيف كانوا فى حال التّمحيص والبلاء ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء ، وأجهد العباد بلاء ، وأضيق أهل الدّنيا حالا اتّخذتهم الفراعنة عبيدا ، فساموهم سوء العذاب ، وجرّعوهم المرار ، فلم تبرح الحال بهم فى ذلّ الهلكة ، وقهر الغلبة : لا يجدون حيلة فى امتناع ، ولا سبيلا إلى دفاع ، حتّى إذا رأى اللَّه جدّ الصّبر منهم على الأذى فى محبّته ، والاحتمال للمكروه من خوفه ، جعل لهم من مضايق البلاء فرجا : فأبدلهم العزّ مكان الذّلّ ، والأمن مكان الخوف ، فصاروا ملوكا حكَّاما ، وأئمّة أعلاما ، وبلغت الكرامة من اللَّه لهم ما لم تبلغ الآمال إليه بهم . فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة ، والأهواء متّفقة ، والقلوب
456
نام کتاب : اختيار مصباح السالكين نویسنده : ابن ميثم البحراني جلد : 1 صفحه : 456