ولا تضعوا من رفعته التّقوى ، ولا ترفعوا من رفعته الدّنيا ، ولا تشيموا بارقها ، ولا تستمعوا ناطقها ، ولا تجيبوا ناعقها ، ولا تستضيئوا بإشراقها ، ولا تفتنوا بأعلاقها ، فإنّ برقها خالب ، ونطقها كاذب ، وأموالها محروبة ، وأعلاقها مسلوبة ، ألا وهى المتصدّية العنون ، والجامحة الحرون ، والمائنة الخئون والجحود الكنود ، والعنود الصّدود ، والحيود الميود : حالها انتقال ، ووطأتها زلزال ، وعزّها ذلّ ، وجدّها هزل ، وعلوها سفل ، دار حرب وسلب ، ونهب وعطب ، أهلها على ساق وسياق ، ولحاق وفراق . قد تحيّرت مذاهبها ، وأعجزت مهاربها . وخابت مطالبها ، فأسلمتهم المعاقل ، ولفظتهم المنازل ، وأعيتهم المحاول ، فمن ناج معقور ، ولحم مجزور ، وشلو مذبوح ودم مسفوح ، وعاضّ على يديه ، وصافق بكفّيه ، ومرتفق بخدّيه ، وزار على رأيه ، وراجع عن عزمه ، وقد أدبرت الحيلة ، وأقبلت الغيلة ، ولات حين مناص ، وهيهات ، ثمّ هيهات قد فات ما فات ، وذهب ما ذهب ، ومضت الدّنيا لحال بالها * ( ( فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والأَرْضُ وما كانُوا مُنْظَرِينَ ) ) * [1] .أقول : الفاشى : المنتشر .والجدّ : العظمة . والغمرة : غلبة الجهل . والحين بالفتح : الهلاك . والرين : غطاء الجهل ، وغلبة الذنوب المغطَّية لأعين البصائر . واستعار لفظ الاقفال : للجهل والذنوب . وتستعينوا بها على اللَّه اى : على نيل ثوابه ، ودفع عقابه ، وكونها فى اليوم حرزا وجنة اى : فى الحياة الدنيا لقوله تعالى : * ( ( ومَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَه مَخْرَجاً ) ) * الآية [2] وغداى : يوم القيامة . ومستودعها : بالفتح من أودعها ، وقبلها ، وحافظ اى : لها ولنفسه من التّورط فى الآثام وعذاب اللَّه وعرضها لنفسها : كونها للأخذ والاقتناء .واسدى : ارسل معروفه . واهطعوا بأسماعكم : اسرعوا بها . واكظوا اى : داوموا وواظبوا عليها ، وروى باللام اى : الزموا . واشعروها قلوبكم اى : اجعلوها شعارا لازما لها .وارحضوا اى : اغسلوا . والوله : التحيّر من شدّة الوجد . وشيم البرق : انتظار ان يمطر سحابه والطمّع فى ذلك . واستعار لفظ البارق : لما يلوح من اطماعها ، وكنى بناطقها : عن مادحها . وما كشف ريبتها من قول او فعل اوزينة او متاع . وبسماعه : عن الاصغاء اليه والميل نحوه . وناعقها : الداعى اليها . واستعار لفظ الاشراق : للآراء الهادية الى وجوه
[1] سورة الدخان - 29 [2] سورة الطلاق - 2 .