responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 66


تقدير الله تعالى في حقهم ، وهذا هو العلم المكنون الذي لا يسطر في الكتب . ويعين على التنبه له التعلم ومشاهدة أحوال علماء الآخرة كما سيأتي علامتهم ، هذا في أول الأمر . ويعين عليه في الآخرة المجاهدة والرياضة ، وتصفية القلب وتفريغه عن علائق الدنيا ، والتشبه فيها بالأنبياء والأولياء ، ليتضح منه لكل ساع إلى طلبه بقدر الرزق لا بقدر الجهد ، ولكن لا غنى فيه عن الاجتهاد ، فالمجاهدة مفتاح الهداية لا مفتاح لها سواها وأما العلوم التي لا يحمد منها إلا مقدار مخصوص ، فهي العلوم التي أوردناها في فروض الكفايات ، فان في كل علم منها اقتصارا وهو الأقل ، واقتصادا وهو الوسط ، واستقصاء وراء ذلك الاقتصاد لا مرد له إلى آخر العمر . فكن أحد رجلين : إما مشغولا بنفسك ، وإما متفرغا لغيرك بعد الفراغ من نفسك ، وإياك أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك ، فان كنت المشغول بنفسك فلا تشتغل إلا بالعلم الذي هو فرض عليك بحسب ما يقتضيه حالك ، وما يتعلق منه بالأعمال الظاهرة : من تعلم الصلاة ، والطهارة ، والصوم ، وإنما الأهم الذي أهمله الكل علم صفات القلب وما يحمد منها وما يذم ، إذ لا ينفك بشر عن الصفات المذمومة : مثل الحرص والحسد ، والرياء ، والكبر ، والعجب وأخواتها ، وجميع ذلك مهلكات ، وإهمالها من الواجبات مع أن الاشتغال بالأعمال الظاهرة يضاهي الاشتغال بطلاء ظاهر البدن عند التأذى بالجرب والدماميل ، والتهاون بإخراج المادة بالفصد والإسهال . وحشوية العلماء يشيرون بالأعمال الظاهرة كما يشير الطرقية من الأطباء بطلاء ظاهر البدن ، وعلماء الآخرة لا يشيرون إلا بتطهير الباطن وقطع مواد الشر : بإفساد منابتها ، وقلع مغارسها من القلب . وإنما فزع الأكثرون إلى الأعمال الظاهرة عن تطهير القلوب لسهولة أعمال الجوارح ، واستصعاب أعمال القلوب ، كما يفزع إلى طلاء الظاهر من يستصعب شرب الأدوية المرة ، فلا يزال يتعب في الطلاء ويزيد في المواد ، وتتضاعف به الأمراض فان كنت مريدا للآخرة وطالبا للنجاة وهاربا من الهلاك الأبدى ، فاشتغل بعلم العلل الباطنة وعلاجها ، على ما فصلناه في ربع المهلكات . ثم ينجرّ بك ذلك إلى المقامات المحمودة المذكورة في ربع المنجيات لا محالة . فان القلب إذا فرغ من المذموم امتلأ بالمحمود ، والأرض إذا نقيت من الحشيش نبت فيها أصناف الزرع والرياحين ، وإن لم تفرّغ من ذلك لم تنبت ذلك ، فلا تشتغل بفروض الكفاية ، لا سيما وفي زمرة الخلق من قد قام بها ، فان مهلك نفسه فيما به

66

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 66
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست