نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 5
أو لا يسهو ولكن يصرفه عن كشف الغطاء عنه صارف . فهذه خواص هذا الكتاب ، مع كونه حاويا لمجامع هذه العلوم وإنما حملني علي تأسيس هذا الكتاب على أربعة أرباع أمران : ( أحدهما وهو الباعث الأصلي ) : أن هذا الترتيب في التحقيق والتفهيم كالضروري ، لأن العلم الذي يتوجّه به إلى الآخرة ينقسم إلى علم المعاملة ، وعلم المكاشفة ، وأعني بعلم المكاشفة ما يطلب منه كشف المعلوم فقط ، وأعنى بعلم المعاملة ما يطلب منه مع الكشف العمل به . والمقصود من هذا الكتاب علم المعاملة فقط دون علم المكاشفة التي لا رخصة في إيداعها الكتب ، وإن كانت هي غاية مقصد الطالبين ، ومطمح نظر الصديقين ، وعلم المعاملة طريق إليه ، ولكن لم يتكلم الأنبياء صلوات الله عليهم مع الخلق إلا في علم الطريق والإرشاد إليه . وأما علم المكاشفة فلم يتكلموا فيه إلا بالرمز والإيماء على سبيل التمثيل والاجمال ، علما منهم بقصور أفهام الخلق عن الاحتمال ، والعلماء ورثة الأنبياء ، فما لهم سبيل إلى العدول عن نهج التأسى والاقتداء ثم إن علم المعاملة ينقسم إلى علم ظاهر ، أعنى العلم بأعمال الجوارح ، وإلى علم باطن ، أعنى العلم بأعمال القلوب . والجاري على الجوارح إما عادة وإما عبادة ، والوارد على القلوب التي هي بحكم الاحتجاب عن الحواس من عالم الملكوت إما محمود وإما مذموم . فبالواجب انقسم هذا العلم إلى شطرين : ظاهر ، وباطن ، والشطر الظاهر المتعلق بالجوارح انقسم إلى عادة وعبادة ، والشطر الباطن المتعلق بأحوال القلب وأخلاق النفس انقسم إلى مذموم ومحمود ، فكان المجموع أربعة أقسام ، ولا يشذ نظر في علم المعاملة عن هذه الأقسام ( الباعث الثاني ) : أنى رأيت الرغبة من طلبة العلم صادقة في الفقه الذي صلح عند من لا يخاف الله سبحانه وتعالى ، المتدرع به إلى المباهاة والاستظهار بجاهه ومنزلته في المنافسات . وهو مرتب علي أربعة أرباع ، والمتزيي بزى المحبوب محبوب ، فلم أبعد أن يكون تصوير الكتاب بصورة الفقه تلطفا في استدراج القلوب . ولهذا تلطف بعض من رام استمالة قلوب الرؤساء إلى الطب ، فوضعه على هيئة تقويم النجوم ، موضوعا في الجداول والرقوم ، وسماه تقويم الصحة ، ليكون أنسهم بذلك الجنس جاذبا لهم إلى المطالعة ، والتلطف في اجتذاب القلوب إلى العلم الذي يفيد حياة الأبد . أهم من التلطف في اجتذابها إلى الطب الذي لا يفيد إلا صحة الجسد .
5
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 5