responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 150

إسم الكتاب : إحياء علوم الدين ( عدد الصفحات : 192)


طبيبا وإن كان يعتقد على الجملة فيه مضرة ، ولكن إذا كان علم الطبيب أتم كان خوفه أشد ، فيكون الخوف جندا للعقل وعدّة له في قمع الشهوات وكسرها ، وكذلك يكون العالم أقدر على ترك المعاصي من الجاهل لقوّة علمه بضرر المعاصي ، وأعنى به العالم الحقيقي دون أرباب الطيالسة وأصحاب الهذيان . فان كان التفاوت من جهة الشهوة لم يرجع إلى تفاوت العقل ، وإن كان من جهة العلم فقد سمينا هذا الضرب من العلم عقلا أيضا ، فإنه يقوى غريزة العقل ، فيكون التفاوت فيما رجعت التسمية إليه . وقد يكون بمجرد التفاوت في غريزة العقل ، فإنها إذا قويت كان قمعها للشهوة لا محالة أشد وأما القسم الثالث وهو علوم التجارب ، فتفاوت الناس فيها لا ينكر ، فإنهم يتفاوتون بكثرة الإصابة وسرعة الإدراك ، ويكون سببه إما تفاوتا في الغريزة ، وإما تفاوتا في الممارسة .
فأما الأول وهو الأصل أعنى الغريزة ، فالتفاوت فيه لا سبيل إلى جحده ، فإنه مثل نور يشرق على النفس ويطلع صبحه . ومبادئ إشراقه عند سن التمييز ، ثم لا يزال ينمو ويزداد نموا خفى التدريج إلى أن يتكامل بقرب الأربعين سنة . ومثاله نور الصبح ، فان أوائله يخفى خفاء يشق إدراكه ، ثم يتدرج إلى الزيادة ، إلى أن يكمل بطلوع قرص الشمس وتفاوت نور البصيرة كتفاوت نور البصر ، والفرق مدرك بين الأعمش وبين حاد البصر ، بل سنة الله عز وجل جارية في جميع خلقه بالتدريج في الإيجاد ، حتى إن غريزة الشهوة لا تظهر في الصبي عند البلوغ دفعة وبغتة بل تظهر شيئا فشيئا على التدريج ، وكذلك جميع القوى والصفات .
ومن أنكر تفاوت الناس في هذه الغريزة فكأنه منخلع عن ربقة العقل ومن ظن أن عقل النبي صلَّى الله عليه وسلم مثل عقل آحاد السوادية وأجلاف البوادي فهو أخس في نفسه من آحاد السوادية ، وكيف ينكر تفاوت الغريزة ولولاه لما اختلف الناس في فهم العلوم ، ولما انقسموا إلى بليد لا يفهم بالتفهيم إلا بعد تعب طويل من المعلم ، وإلى ذكى يفهم بأدنى رمز وإشارة ، وإلى كامل تنبعث من نفسه حقائق الأمور بدون التعليم ، كما قال تعالى :
* ( يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْه نارٌ ، نُورٌ عَلى نُورٍ ) * وذلك مثل الأنبياء عليهم السلام ، إذ يتضح لهم في بواطنهم أمور غامضة من غير تعلم وسماع ، ويعبر عن ذلك بالالهام . وعن مثله

150

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 150
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست