responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 148


يخرجها إلى الوجود ، حتى كأن هذه العلوم ليست بشيء وارد عليها من خارج ، وكأنّها مستكنة فيها فظهرت . ومثاله الماء في الأرض ، فإنه يظهر بحفر البئر ، ويجتمع ويتميز بالحس ، لا بأن يساق إليها شيء جديد . وكذلك الدهن في اللوز ، وماء الورد في الورد ، ولذلك قال تعالى :
* ( وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ من بَنِي آدَمَ من ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) * فالمراد به إقرار نفوسهم لا إقرار الألسنة ، فإنهم انقسموا في إقرار الألسنة حيث وجدت الألسنة والأشخاص إلى مقرّ وإلى جاحد ، ولذلك قال تعالى : * ( ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ من خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله ) * معناه : إن اعتبرت أحوالهم شهدت بذلك نفوسهم وبواطنهم * ( فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) * أي كل آدمى فطر على الايمان با لله عز وجل ، بل على معرفة الأشياء على ما هي عليه ، أعنى أنها كالمضمنة فيها لقرب استعدادها للإدراك ثم لما كان الايمان مركوزا في النفوس بالفطرة انقسم الناس إلى قسمين : إلى من أعرض فنسي وهم الكفار ، وإلى من أجال خاطره فتذكر فكان كمن حمل شهادة فنسيها بغفلة ثم تذكرها . ولذلك قال عز وجل : * ( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) * * ( ولِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبابِ ) * * ( واذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ومِيثاقَه الَّذِي واثَقَكُمْ به ) * * ( ولَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ من مُدَّكِرٍ ) * . وتسمية هذا النمط تذكَّرا ليس ببعيد ، فكأن التذكر ضربان : أحدهما أن يذكر صورة كانت حاضرة الوجود في قلبه لكن غابت بعد الوجود ، والآخر أن يذكر صورة كانت مضمنة فيه بالفطرة . وهذه حقائق ظاهرة للناظر بنور البصيرة ، ثقيلة على من مستروحه السماع والتقليد دون الكشف والعيان ، ولذلك تراه يتخبط في مثل هذه الآيات ، ويتعسف في تأويل التذكر وإقرار النفوس أنواعا من التعسفات ، ويتخايل إليه في الأخبار والآيات ضروب من المناقضات ، وربما يغلب ذلك عليه حتى ينظر إليها بعين الاستحقار ، ويعتقد فيها التهافت . ومثاله مثال الأعمى الذي يدخل دارا فيعثر فيها بالأوانى المصفوفة في الدار فيقول : ما لهذه الأواني لا ترفع من الطريق وترد إلى مواضعها ؟ فيقال له إنها في مواضعها وإنما الخلل في بصرك . فكذلك خلل البصيرة يجرى مجراه وأطمّ منه وأعظم ، إذ النفس كالفارس ، والبدن كالفرس ، وعمى الفارس أضر من عمى الفرس .

148

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 148
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست