responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 126


الشك ، أو بمعنى الاستيلاء على القلب ، فما معنى متعلقات اليقين ومجاريه ، وفيما ذا يطلب اليقين ، فانى ما لم أعرف ما يطلب فيه اليقين لم أقدر على طلبه ؟
فاعلم أن جميع ما ورد به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من أوله إلى آخره هو من مجاري اليقين ، فان اليقين عبارة عن معرفة مخصوصة ، ومتعلقة المعلومات التي وردت بها الشرائع ، فلا مطمع في إحصائها ، ولكني أشير إلى بعضها وهي أمهاتها :
فمن ذلك التوحيد :
وهو أن يرى الأشياء كلها من مسبب الأسباب ، ولا يلتفت إلى الوسائط ، بل يرى الوسائط مسخرة لا حكم لها ، فالمصدق بهذا موقن ، فان انتفى عن قلبه مع الايمان إمكان الشك فهو موقن بأحد المعنيين ، فان غلب على قلبه مع الايمان غلبة أزالت عنه الغضب على الوسائط والرضا عنهم والشكر لهم ، ونزّل الوسائط في قلبه منزلة القلم واليد في حق المنعم بالتوقيع فإنه لا يشكر القلم ولا اليد ولا يغضب عليهما ، بل يراهما آلتين مسخرتين وواسطتين ، فقد صار موقنا بالمعنى الثاني ، وهو الأشرف ، وهو ثمرة اليقين ، الأول وروحه وفائدته . ومهما تحقق أن الشمس والقمر والنجوم والجماد والنبات والحيوان وكل مخلوق فهي مسخرات بأمره حسب تسخير القلم في يد الكاتب ، وأن القدرة الأزلية هي المصدر للكل ، استولى على قلبه غلبة التوكل والرضا والتسليم ، وصار موقنا بريئا من الغضب والحقد والحسد وسوء الخلق . فهذا أحد أبواب اليقين ومن ذلك الثقة بضمان الله سبحانه بالرزق في قوله تعالى : * ( وما من دَابَّةٍ في الأَرْضِ إِلَّا عَلَى الله رِزْقُها ) * ، واليقين بأن ذلك يأتيه ، وأن ما قدر له سيساق إليه . ومهما غلب ذلك على قلبه كان مجملا في الطلب ، ولم يشتد حرصه وشرهه وتأسفه على ما فاته ، وأثمر هذا اليقين أيضا جملة من الطاعات والأخلاق الحميدة ومن ذلك أن يغلب على قلبه أن من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره ، وهو اليقين بالثواب والعقاب ، حتى يرى نسبة الطاعات إلى الثواب كنسبة الخبز إلى الشبع ، ونسبة المعاصي إلى العقاب كنسبة السموم والأفاعي إلى الهلاك ، فكما يحرص على التحصيل للخبز طلبا للشبع فيحفظ قليله وكثيره ، فكذلك يحرص على الطاعات كلها قليلها وكثيرها ، وكما يجتنب قليل السموم وكثيرها ، فكذلك يجتنب المعاصي قليلها وكثيرها وصغيرها وكبيرها . فاليقين بالمعنى الأول قد يوجد لعموم المؤمنين ، أما بالمعنى الثاني فيختص به المقربون .

126

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 126
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست