وسفك دم هذا وانتهك عرض هذا ، ويأتي وله صلاة وزكاة وصوم ، قال : فيأخذ هذا بكذا إلى أن قال : وهذا بصومه فدل على أنه يؤخذ في المظالم . وهو ينقسم إلى قسمين : قسم لا يتكرر كصوم الدهر ، وقسم يتكرر في أسبوع أو سنة أو شهر . وقد شرع في الأول من القسم الثاني فقال : ( يسن صوم الاثنين و ) صوم ( الخميس ) لأنه ( ص ) كان يتحرى صومهما وقال : إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال ، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم رواه الترمذي وقال : حديث حسن . والمراد عرضها على الله تعالى ، وأما رفع الملائكة لها ، فإنه في الليل مرة وفي النهار مرة ، ولا ينافي هذا رفعها في شعبان كما في خبر مسند أحمد : أنه ( ص ) سئل عن إكثار الصوم في شعبان فقال : إنه شهر ترفع فيه الأعمال ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة وأعمال العام جملة . وقال السهيلي : إن النبي ( ص ) قال لبلال : لا يفتك صيام الاثنين ، فإني ولدت فيه وبعثت فيه وأموت فيه أيضا . وأغرب الحليمي فعد من المكروه اعتياد صوم يوم بعينه كالاثنين والخميس لأن في ذلك تشبيها برمضان . وسمي ما ذكر يوم الاثنين لأنه ثاني الأسبوع ، والخميس لأنه خامسه ، كذا ذكره المصنف ناقلا له عن أهل اللغة ، قال الأسنوي : فيعلم منه أن أول الأسبوع الاحد ، ونقله ابن عطية عن الأكثرين ، وسيأتي في باب النذر أن أوله السبت ، وقال السهيلي : إنه الصواب ، وقول العلماء كافة إلا ابن جرير . وجمع الاثنين أثانين ، والخميس أخمساء وأخمسة وأخاميس . ثم شرع في الثاني منه ، فقال : ( و ) صوم يوم ( عرفة ) وهو تاسع ذي الحجة لغير الحاج لخبر مسلم : صيام يوم عرفة احتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده . وهو أفضل الأيام لخبر مسلم : ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه ( عبدا ) من النار من يوم عرفة . وأما قوله ( ص ) : خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فمحمول على غير يوم عرفة بقرينة ما ذكر . قال الامام : والمكفر الصغائر دون الكبائر . قال صاحب الذخائر : وهذا منه تحكم يحتاج إلى دليل ، والحديث عام ، وفضل الله واسع لا يحجر . وقال ابن المنذر في قوله ( ص ) : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . هذا قول عام يرجى أنه يغفر له جميع ذنوبه صغيرها وكبيرها . قال الماوردي : وللتكفير تأويلان : أحدهما الغفران ، والثاني : العصمة حتى لا يعصي . ويسن أيضا صوم الثمانية أيام قبل يوم عرفة كما صرح به في الروضة ولم يخصه بغير الحاج ، فيسن صومها للحاج وغيره . أما الحاج فلا يسن له صوم يوم عرفة ، بل يسن له فطره وإن كان قويا للاتباع ، رواه الشيخان ، وليقوى على الدعاء ، فصومه له خلاف الأولى ، بل في مكث التنبيه للمصنف أنه مكروه ، وفيها كالمجموع أنه يسن صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلا لفقد العلة . هذا كله في غير المسافر والمريض ، أما هما فيسن لهما فطره مطلقا كما نص عليه الشافعي في الاملاء . ( و ) صوم ( عاشوراء ) وهو عاشر المحرم ، لقوله ( ص ) فيه : أحتسب على الله تعالى أن يكفر السنة التي قبله . وإنما لم يجب صومه للأخبار الدالة بالامر بصومه لخبر الصحيحين : إن هذا اليوم يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر وحملوا الأخبار الواردة بالامر بصومه على تأكد الاستحباب . فائدة : الحكمة في كون صوم يوم عرفة بسنتين ، وعاشوراء بسنة ، أن عرفة يوم محمدي ، يعني أن صومه مختص بأمة محمد ( ص ) وعاشوراء يوم موسوي ، ونبينا محمد ( ص ) أفضل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فكان يومه بسنتين . ( و ) صوم ( تاسوعاء ) وهو تاسع المحرم ، لقوله ( ص ) : لئن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع فمات قبله ، رواه مسلم ، وحكمة صوم يوم تاسوعاء مع عاشوراء الاحتياط له لاحتمال الغلط في أول الشهر ، ولمخالفة اليهود فإنهم يصومون العاشر ، والاحتراز من إفراده بالصوم كما في يوم الجمعة . فإن لم يصم معه تاسوعاء سن أن يصوم معه الحادي عشر ، بل نص الشافعي في الام والاملاء على استحباب صوم الثلاثة ، وعاشوراء وتاسوعاء ممدودان على المشهور . ثم شرع في الثالث منه فقال : ( و ) صوم ( أيام ) الليالي ( البيض ) وهو اليوم الثالث عشر وتالياه ، للامر بصومها في النسائي وصحيح ابن حبان . والحكمة في ذلك أن الحسنة بعشرة أمثالها فصومها كصوم الشهر ، ومن ثم سن صوم ثلاثة من كل