وقد روى البيهقي : أنه ( ص ) كان يكتحل بالإثمد وهو صائم فلا يكره الاكتحال للصائم . ( وكونه ) أي الواصل ( بقصد ، فلو وصل جوفه ذباب أو بعوضة أو غبار الطريق أو غربلة الدقيق لم يفطر ) وإن أمكنه اجتناب ذلك بإطباق الفم أو غيره لما فيه من المشقة الشديدة . ولو فتح فاه عمدا حتى دخل التراب جوفه لم يفطر أيضا لأنه معفو عن جنسه . قال في المجموع : وشبهوه بالخلاف في العفو عن دم البراغيث المقتولة عمدا ، وقضيته أن محل عدم الافطار به إذا كان قليلا ، ولكن ظاهر كلام الأصحاب الاطلاق وهو الظاهر ، وقد يفهم أنه لو خرجت مقعدة المبسور فردها قصدا أنه يفطر ، والأصح كما في التهذيب والكافي أنه لا يفطر لاضطراره إليه كما لا يبطل طهر المستحاضة بخروج الدم . فائدة : جمع المصنف الذباب وأفرد البعوضة مراعاة للفظ القرآن ، قال تعالى : * ( لن يخلقوا ذبابا ) * ، وقال تعالى : * ( بعوضة فما فوقها ) * . فائدة أخرى : الغربلة إدارة الحب في الغربال لينتفي خبيثة ويبقى طيبه ، وفي كلام العرب : من غربل الناس نخلوه ، أي من فتش عن أمورهم وأصولهم جعلوه نخالة . وفي الحديث : كيف بكم وبزمان تغربل الناس فيه غربلة أي يذهب خيارهم ويبقى أراذلهم . ( ولا يفطر ببلع ريقه من معدته ) بالاجماع لعسر التحرز عنه ، ومعدنه هو الذي فيه قراره ، ومنه ينبع ، وهو الحنك الأسفل تحت اللسان . ( فلو خرج عن الفم ) ولو إلى ظاهر الشفة ( ثم رده ) إليه بلسانه أو غيره ( وابتلعه أو بل خيطا بريقه ورده إلى فمه ) كما يعتاد عند الفتل ، ( وعليه رطوبة تنفصل ) وابتلعها ، ( أو ابتلع ريقه مخلوطا بغيره ) الطاهر ، كأن فتل خيطا مصبوغا تغير به ريقه ( أو ) ابتلعه ( متنجسا ) كمن أكل شيئا نجسا ولم يغسل فمه قبل الفجر ، أو دميت لثته ولم يغسل فمه ، وإن ابيض ريقه ثم ابتلعه صافيا ، ( أفطر ) في المسائل الثلاث . أما الأولى فلانه خرج عن معدنه وصار كالأعيان الخارجة ، نعم لو أخرج لسانه وعليه الريق ثم رده وابتلع ما عليه فإنه لا يفطر على الأصح في الروضة وأصلها ، وصحح في المجموع القطع به لأنه لم ينفصل عن الفم فإن اللسان كداخل الفم ، خلافا لما صححه الرافعي في الشرح الصغير من الفطر . قال في الأنوار : ولو غسل السواك واستاك به - أي مع بقاء الرطوبة - فكالخيط . وأما في الثانية فلانه لا ضرورة إليه وقد ابتلعه بعد مفارقته المعدن . وأما في الثالثة فلانه أجنبي غير الريق . قال الأذرعي : ولا يبعد أن يقال من عمت بلواه بدم لثته بحيث يجري دائما أو غالبا أنه يسامح بما يشق الاحتراز منه ، ويكفي بصقه الدم ، ويعفى عن أثره اه . وهذا لا بأس به . ( ولو جمع ريقه ) ولو بنحو مصطكى ، ( فابتلعه لم يفطر في الأصح ) لأنه لم يخرج عن معدنه فهو كابتلاعه متفرقا من معدنه ، والثاني : يفطر لأن الاحتراز عنه هين . واحترز بقوله : جمعه عما لو اجتمع بلا قصد كالمجتمع بكثرة الكلام فإنه لا يضر جزما . ( ولو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق ) المشروع ( إلى جوفه ) من باطن أو دماغ ( فالمذهب أنه إن بالغ ) في ذلك ( أفطر ) لأن الصائم منهي عن المبالغة كما سبق في الوضوء . ( وإلا ) أي وإن لم يبالغ ( فلا ) يفطر ، لأنه تولد من مأمور به بغير اختياره . وقيل : يفطر مطلقا لأنه وصل بفعله . وقيل : لا يفطر مطلقا لعدم الاختيار . أما سبق ماء غير المشروع ، كأن جعل الماء في فمه أو أنفه لا لغرض أو سبق ماء غسل التبرد أو المرة الرابعة من المضمضة أو الاستنشاق فإنه يفطر لأنه غيرمأمور بذلك ، بل منهي عنه في الرابعة ، ولا يفطره ولا يمنعه من إنشاء صوم نفل سبق ماء تطهير الفم من نجاسة وإن بالغ فيه . ( ولو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه ) من غير قصد ( لم يفطر إن عجز عن تمييزه