وإنما لم يجب الأصلح كاجتماع الحقاق وبنات اللبون لتعلقه بالعين . ( والأفضل أشرفها ) أي أعلاها في الاقتيات ، لقوله تعالى : * ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) * ، ولو كانوا يقتاتون القمح المخلوط بالشعير تخير إن كان الخليطان على السواء ، وإن كان أحدهما أكثر وجب منه ، فإن لم يجد إلا نصفا من ذا ونصفا من ذا فوجهان : أوجههما أنه يخرج النصف الواجب عليه ولا يجزئ الآخر لما مر أنه لا يجوز أن يبعض الصاع من جنسين . ولو كان في بلد لا قوت لهم فيها يجزئ بأن كانوا يقتاتون الأشياء النادرة أخرج من غالب قوت أقرب البلاد إليه ، فإن استوى إليه بلدان في القرب واختلف الغالب من أقواتهما تخير ، والأفضل الاعلى . ( ولو كان عبده ببلد آخر فالأصح أن الاعتبار بقوت بلد العبد ) بناء على أنها وجبت على المتحمل عنه ابتداء وهو الأصح ، والثاني : أن العبرة ببلد السيد ، بناء على أنها تجب ابتداء على المتحمل وهو مرجوح . ( قلت : الواجب الحب ) حيث تعين فلا تجزئ القيمة اتفاقا ، ولا الخبز ولا الدقيق ولا السويق ونحو ذلك ، لأن الحب يصلح لما لا تصلح له هذه الثلاثة . ( السليم ) فلا يجزئ المسوس وإن كان يقتاته والمعيب ، قال تعالى : * ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) * . ( ولو أخرج من ماله فطرة ولده الصغير الغني جاز ) لأنه يستقل بتمليكه وله ولاية عليه ، فكأنه ملكه ذلك ثم أخرجه عنه . والجد من قبل الأب وإن علا كالأب ، والمجنون كالصغير ، وكذا السفيه على ما أفهمه كلامهم . وقضية التوجيه أن هذا في أب أو جد يلي المال . فإن لم يل لعدم الأهلية فيكون كالأجنبي ، أما الوصي والقيم فلا يجوز لهما ذلك إلا بإذن القاضي كما جزم به في المجموع لأن اتحاد الموجب والقابل يختص بالأب والجد . ( كأجنبي أذن ) فيجوز إخراجها عنه كما في غيرها من الديون ، فإن لم يأذن لم يجزه قطعا لأنها عبادة مفتقرة إلى نية فلا تسقط عن المكلف بغير إذن . ( بخلاف ) ولده ( الكبير ) الرشيد كما قيده في المجموع ، فلا يجوز بغير إذنه ، لأن الأب لا يستقل بتمليكه فصار كالأجنبي بخلاف الصغير ونحوه . ( ولو اشترك موسر ومعسر ) مناصفة مثلا ( في عبد ) أي رقيق والمعسر محتاج إلى خدمته ، ( لزم الموسر نصف صاع ) لأنه الواجب عليه . هذا إذا لم يكن بينهما مهايأة ، فإن كان وصادف زمن الوجوب نوبة الموسر لزمه الصاع كما مرت الإشارة إليه ، أو المعسر فلا شئ عليه كالمبعض المعسر . تنبيه : لو عبر بالرقيق عوضا عن العبد ، وبالحصة أو القسط عوضا عن النصف ، لاستغنى عما قدرته . ( ولو أيسرا ) أي الشريكان في الرقيق ، ( واختلف واجبهما ) لاختلاف قوت بلدهما بأن كانا ببلدين مختلفي القوت ، أو لاختلاف قوتهما على مقالة . ( أخرج كل واحد نصف صاع من واجبه ) أي من قوت بلده ، أو من قوته . ( في الأصح ) كما ذكره الرافعي في الشرح ، ( والله أعلم ) بناء على أنها تجب على السيد ابتداء . والثاني ، وهو الأصح : أنه يخرجه من قوت محل الرقيق كما علم مما مر . وقد ذكره الرافعي بعد تصحيحه السابق ولم يذكره في الروضة ، ولكن صرح به في المجموع بناء على ما مر من أن الأصح أنها تجب ابتداء على المؤدى عنه ثم يتحملها عنه المؤدي . فإن قيل : كيف يستقيم ما ذكره مع قوله أولا إن الاعتبار بقوت بلد العبد ؟ أجيب بأنه يمكن حمله على صورة ، وهي ما إذا أهل هلال شوال على العبد وهو في برية نسبتها في القرب إلى بلدتي السيدين على السواء ، ففي هذه الصورة يعتبر قوت بلدتي السيدين قطعا لأنه لا بلد للعبد ، وكذا لو كان العبد في بلد لا قوت فيها وإنما يحمل إليها من بلدتي السيدين من الأقوات ما لا يجزئ في الفطرة كالدقيق والخبز ، وحيث أمكن تنزيل كلام المصنفين على تصوير صحيح لا يعدل إلى تغليطهم . وإذ قد عرفت ذلك فلا منافاة بين ما صححه هنا وبين ما صححه أولا من كون الأصح اعتبار قوت بلد العبد ، ولا يحتاج إلى البناء المذكور وإن كنت قررته أولا تبعا للشارح ولغالب شراح الكتاب .