وقد تلقيت الكتاب المذكور رواية ودراية : عن أئمة ظهرت وبهرت مفاخرهم ، واشتهرت وانتشرت مآثرهم ، جمعني الله وإياهم والمسلمين في مستقر رحمته ، بمحمد وآله وصحابته . وحيث أقول شيخنا فهو : المخلص الذي طار صيته في الآفاق ، وكان تقيا نقيا زكيا ، ونفع الله به وبتلامذته ، ذو الفضائل والفواصل : شيخ الاسلام زكريا . أو شيخي فهو فريد دهره ، ووحيد عصره ، سلطان العلماء ، ولسان المتكلمين ، عمدة المعلمين ، وهداية المتعلمين ، حسنة الأيام والليالي شهاب الدنيا والدين : الشهير بالرملي . أو الشارح : فالجلال المحقق المدقق الحلى . أو الشيخان أو قالا أو نقلا : فالرافعي والنووي رضى الله تعالى عنهما . وحيث أطلق الترجيح فهو في كلاهما غالبا ، والا عزوته لقائله . وأتضرع إلى الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه ومن اجله ، وان يعيدنا وأئمة الدين والمؤمنين من همزات الشيطان وخيله ورجله ، وبالله تعالى أستعين فهو نعم المعين . قال المؤلف رحمه الله تعالى : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أي ابتدى أو افتح أو أؤلف ، وهذا أولى إذ كل فاعل يبدأ في فعله ببسم الله يضمر ما جعل التسمية مبدأ له كما أن المسافر إذا حل أو ارتحل فقال : بسم الله كان المعنى بسم الله أحل ، أو باسم الله ارحل ، ويسمى فعل الشروع : أي الفعل الذي يشرع فيه ، ويصح ان يقدر مصدرا كابتدائي ولا يضر حذفه وإبقاء عمله لأنه يتوسع في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسع في غيرهما ، وان يقدر كل منهما مقدما أو مؤخرا ، ولكن تقديره كما قال الإمام الرازي فعلا ومؤخرا أولى كما في " إياك نعبد وإياك نستعين " ولأنه تعالى مقدم ذاتا لأنه قديم واجب الوجود لذاته فقدم ذكرا . فإن قيل قال الله تعالى - اقرأ باسم ربك - فقدم الفعل . فالجواب انه في مقام ابتداء القراءة وتعليمها لأنها أول سورة نزلت ، فكان الامر بالقراءة أهم باعتبار هذا العارض وإن كان ذكر الله تعالى أهم في نفسه ، وذكر أجوبة غير ذلك في مقدمتي على البسملة والحمدلة . وقيل إن الباء زائدة لا تتعلق بشئ فاسم مبتدأ حذف خبره أو عكسه . والصحيح انه اصلى ، والباء هنا للاستعانة أو للمصاحبة والملابسة على جهة التبرك . فإن قيل من حق حروف المعاني التي جاءت على حرف واحد ان تبنى على الفاتحة التي هي أخت السكون نحو واو العطف وفائه . فالجواب انها إنما كسرت للزومها الحرفية والجر ولتشابه حركتها عملها . والاسم مشتق من السمو وهو العلو فهو من الأسماء المجذوفة الاعجاز كيد ودم لكثرة الاستعمال ، بنيت أوائلها على السكون وادخل عليها همزة الوصل لتعذر الابتداء بالساكن . وقيل من الوسم وهو العلامة فوزنه على الأول افع محذوف اللام وعلى الثاني أعل محذوف الفاء ، وفيه عشر لغات نظمها بعضهم في بيت فقال : سم وسما واسم بتثليث أول * لهن سماء عاشر ثمت انجلى والاسم إن أريد به اللفظ فغير المسمى لأنه يتألف من أصوات مقطعة غير قارة ، ويختلف باختلاف الاسم والاعصار ، ويتعدد تارة ويتعدد أخرى ، والمسمى لا يكون كذلك ، وإن أريد به ذات الشئ فهو المسمى لكنه لم يشتهر بهذا المعنى ، وإن أريد به الصفة كما هو رأى أبى الحسن الأشعري انقسم انقسام الصفة عنده إلى ما هو نفس المسمى كالواحد والقديم ، والى ما هو غير كالخالق والرازق ، وإلى ما ليس هو ولا غيره كالعلم والقدرة : أي فإنهما زائد على الذات وليسا غير الذات ، لأن المراد بالغير ما ينفك عن الذات وهما لا ينفكان . والله علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد لم يتسم به سواه ، تسمى به قبل ان يسمى وأنزله على آدم في جملة الأسماء . قال تعالى " هل تعلم له سميا " : أي هل تعلم أحدا سمى الله غير الله . وأصله إله . قال الرافعي في كتابه ( العلاوة والتذنيب ) كإمام ثم ادخلوا عليه الألف واللام ثم حذفت الهمزة طلبا للخفة ونقلت حركتها إلى اللام فصار اللاه فصار اللاه بلامين متحركين سكنت الأولى وأدغمت في الثانية للتسهيل ا ه . وقيل حذفت همزته وعوض عنها حرف التعريف ثم جعل علما . والاله في الأصل يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا ، وهل هو مشتق أو مرتجل ؟ فيه خلاف . والحق انه أصل بنفسه غير مأخوذ من شئ بل وضع علما ابتداء ، فكما أن ذاته لا يحيط بها شئ ولا ترجع إلى شئ فكذلك اسمه