كيف يقصر إذا كان الغرض النزهة مع قولهم : إنه إذا سافر لمجرد رؤية البلاد أنه لا يقصر ؟ أجيب بأن التنزه هنا ليس هو الحامل على السفر ، بل الحامل عليه غرض صحيح كسفر التجارة ، لكنه سلك أبعد الطريقين للتنزه فيه ، بخلاف مجرد رؤية البلاد فإنه الحامل على السفر حتى لو لم يكن هو الحامل عليه كان كالتنزه هنا ، أو كان التنزه هو الحامل عليه كان كمجرد رؤية البلاد في تلك . وخرج بقوله : طويل وقصير ما لو كانا طويلين فسلك الأطول ولو لغرض القصر فقط قصر فيه جزما . ( ولو تبع العبد أو الزوجة أو الجندي مالك أمره ) أي السيد أو الزوج أو الأمير ( في السفر ولا يعرف ) كل واحد منهم ( مقصده فلا قصر ) لهم لأن الشرط لم يتحقق ، وهذا قبل بلوغهم مسافة القصر ، فإن قطعوها قصروا كما مر في الأسير وإن لم يقصر المتبوعون لتيقن طول سفرهم ، ولا ينافي ذلك ما مر من أن طالب الغريم ونحوه إذا لم يعرف مكانه لا يقصر وإن طال سفره ، لأن المسافة هنا معلومة في الجملة ، إذ المتبوع يعلمها بخلافها ثم . وإن عرفوا أن مقصده مرحلتان وقصدوه قصروا . ( فلو نووا مسافة القصر ) وحدهم دون متبوعهم أو جهلوا حاله ( قصر الجندي ) أي غير المثبت في الديوان ( دونهما ) لأنه حينئذ ليس تحت يد الأمير وقهره بخلافهما فنيتهما كالعدم . أما المثبت في الديوان فهو مثلهما ، لأنه مقهور وتحت يد الأمير ، ومثله الجيش ، إذ لو قيل بأنه ليس تحت قهر الأمير كالآحاد لعظم الفساد . تنبيه : قول المصنف : مالك أمره لا ينافيه التعليل المذكور في الجندي غير المثبت ، لأن الأمير المالك لا يبالي بانفراده عنه ومخالفته له بخلاف مخالفة الجيش أي المثبت في الديوان إذ يختل بها نظامه . ( ومن قصد سفرا طويلا فسار ثم نوى ) وهو مستقل ماكث ، ( رجوعا ) عن مقصده إلى وطنه أو غيره للإقامة ، ( انقطع ) سفره سواء أرجع أم لا ، لأن النية التي استفاد بها الترخص قد انقطعت وانتهى سفره فلا يقصر ما دام في ذلك المنزل كما جزموا به ، لكن مفهوم كلام الحاوي الصغير ومن تبعه أنه يقصر وهو خلاف المنقول ولا يقضي ما قصره أو جمعه قبل هذه النية وإن قصرت المسافة قبلها . ( فإن سار ) إلى مقصده الأول أو غيره ( فسفر جديد ) فإن كان طويلا قصر بعد مفارقة ما تشترط مفارقته وإلا فلا ، وكنية الرجوع في ذلك التردد فيه ، نقله في المجموع عن البغوي وأقره . أما لو رجع لحاجة ففيه تفصيل تقدم ، أو وهو سائر فلا أثر لنيته كما مر . وثالث الشروط أن يكون السفر جائزا فلا قصر وغيره كما قال : ( ولا يترخص العاصي بسفره كآبق ) من سيده ( وناشزة ) من زوجها وقاطع الطريق ، لأن مشروعية الترخص للإعانة والعاصي لا يعان . وألحق بذلك من يتعب نفسه أو يعذب دابته بالركض بلا غرض ، فإن ذلك لا يحل كما حكياه عن الصيدلاني وأقراه وإن قال في الذخائر إن ظاهر كلام الأصحاب يدل على إباحته . قال في المجموع : والعاصي بسفره يلزمه التيمم عند فقد الماء لحرمة الوقت والإعادة لتقصيره بترك التوبة . واحترز بقوله : بسفره عن العاصي في سفره بأن يكون السفر مباحا ويعصي في سفره فيترخص لأن السفر مباح . ( فلو أنشأ ) سفرا طويلا ( مباحا ثم جعله معصية ) كالسفر لاخذ مكس أو للزنا بامرأة ، ( فلا ترخص ) له ( في الأصح ) من حين الجعل ، كما لو أنشأ السفر بهذه النية . والثاني : يترخص اكتفاء بكون السفر مباحا في ابتدائه ولو تاب ترخص جزما كما قاله الرافعي في باب اللقطة ، أي بشرط أن يكون سفره من حين التوبة مسافة القصر كما يؤخذ من كلام شيخنا في شرح منهجه وإن خالفه في ذلك بعض المتأخرين معللا بأن أوله وآخره مباحان . ( ولو أنشأه عاصيا ) به ( ثم تاب فمنشئ ) بضم الميم وكسر الشين ، ( للسفر من حين التوبة ) فإن كان بينه وبين مقصده مسافة القصر قصر وإلا فلا . نعم العاصي بسفره يوم الجمعة بترك الجمعة لا يجوز له الترخص ما لم تفت الجمعة ، ومن وقت فواتها يكون ابتداء