قسمه أثلاثا لأن الغفلة فيه أكثر والعبادة فيه أثقل ، فإن أراد القيام في ثلث ما فالأفضل السدس الرابع والخامس لحديث الصحيحين : أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه . ( ثم آخره ) أفضل من أوله إن قسمه نصفين لقوله تعالى : * ( وبالاسحار هم يستغفرون ) * ولخبر الشيخين : ينزل ربنا تبارك وتعالى أي ينزل أمره إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، ومن يسألني فأعطيه ، ومن يستغفرني فأغفر له . ( و ) يستحب في النفل المطلق ( أن يسلم من ركعتين ) ليلا كان أو نهارا نواهما أو أطلق ، لحديث الصحيحين : صلاة الليل مثنى مثنى وفي السنن الأربعة : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وصححه ابن حبان وغيره . والمراد بمثنى مثنى أن يسلم من كل ركعتين لأنه لا يقال في الظهر مثلا مثنى مثنى أما التنفل بالأوتار فلا يستحب . ( ويسن التهجد ) لمواظبته ( ص ) عليه ، ولقوله تعالى : * ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) * ، وقوله تعالى : * ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) * . وهو لغة : دفع النوم بالتكلف ، والهجود : النوم ، يقال هجد : إذا نام ، وتهجد : إذا أزال النوم بالتكلف ، واصطلاحا : صلاة التطوع في الليل بعد النوم كما قاله القاضي حسين ، سمي بذلك لما فيه من ترك النوم ، فهو من باب قصر العام على بعض أفراده . ويسن للمتهجد القيلولة ، وهو النوم قبل الزوال ، وهو بمنزلة السحور للصائم لقوله ( ص ) : استعينوا بالقيلولة على قيام الليل رواه أبو داود وابن ماجة . فائدة : ذكر أبو الوليد النيسابوري أن المتهجد يشفع في أهل بيته ، وروي أن الجنيد رؤي في النوم ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : طاحت تلك الإشارات ، وغابت تلك العبارات ، وفنيت تلك العلوم ، ونفدت تلك الرسوم ، وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها عند السحر . ( ويكره ) قيام بليل يضر ، ومن ذلك ( قيام كل الليل دائما ) لقوله ( ص ) لعبد الله بن عمرو بن العاص : ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ فقال : بلى يا رسول الله ، فقال : لا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا إلى آخر الحديث رواه الشيخان ، ولأنه يضر البدن ، إذ لا يمكنه نوم النهار لما فيه من تفويت مصالحه الدينية والدنيوية ، وبذلك فارق عدم كراهة صوم الدهر غير أيام النهي إذ يمكنه أن يستوفي بالليل ما فاته من أكل النهار . وبما قررته سقط ما قيل إن التقييد بكل الليل ظاهره انتفاء الكراهة بترك ما بين المغرب والعشاء ، وفيه نظر ، والمتجه تعلقها بالقدر المضر ولو بعض الليل وكلام المجموع يقتضيه اه . أما من لا يضره ذلك فلا يكره في حقه . وقال المحب الطبري : إن لم يجد بذلك مشقة استحب له لا سيما المتلذذ بمناجاة الله تعالى ، وإن وجد نظر إن خشي منها محذورا كره وإلا فلا ، ورفقه بنفسه أولى . واحترز بقوله دائما عن إحياء بعض الليالي كالعشر الأخير من رمضان وليلتي العيد ، فيندب إحياؤهما كما سيأتي للاتباع . ( و ) يكره ( تخصيص ليلة الجمعة بقيام ) بصلاة لخبر مسلم : لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، أما إحياؤها بغير صلاة فلا يكره كما قاله شيخي خصوصا بالصلاة والسلام على رسول الله ( ص ) فإن ذلك مطلوب فيها . وظاهر الحديث وكلام المصنف يفهم أنه لا يكره إحياؤها مضمومة إلى ما قبلها أو بعدها ، وهو نظير ما ذكروه في صوم يومها وهو كذلك . وحمل على ذلك قول الاحياء : يستحب إحياؤها . وظاهر تخصيصهم ليلة الجمعة أنه لا يكره تخصيص غيرها وهو كذلك ، وإن قال الأذرعي فيه وقفة . ( و ) يكره ( ترك تهجد اعتاده ) بلا عذر ، ( والله أعلم ) لقوله ( ص ) لعبد الله بن عمرو بن العاص : يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه رواه الشيخان . قال في المجموع : وينبغي أن لا يخل بصلاة الليل وإن قلت . خاتمة : يسن أن يفصل بين سنة الفجر والفريضة باضطجاع على يمينه للاتباع ، فإن لم يفصل باضطجاع فبحديث أو تحول من مكان أو نحو ذلك . وظاهر كلامهم أنه مخير في ذلك ، وإن كان الاضطجاع أفضل ، وإن اختار في المجموع إنه لا يكفي غير الاضطجاع إلا عند العذر ، وأن يقرأ في أولى ركعتين الفجر والمغرب والاستخارة وتحية المسجد : * ( قل يا أيها الكافرون ) * وفي الثانية الاخلاص ، أو يقرأ في سنة الصبح في الأولى : * ( قولوا آمنا بالله ) * الآية ، وفي الثانية :