استمر السواد تبين أن مردها العادة . ثم شرع في المستحاضة الثالثة وهي المعتادة غير المميزة ، فقال : ( و ) كانت من جاوز دمها أكثر الحيض ( معتادة ) غير مميزة ، ( بأن سبق لها حيض وطهر ) وهي تعلمهما قدرا ووقتا ، ( فترد إليهما قدرا ووقتا ) كخمسة أيام من كل شهر ، لما روى الشافعي وغيره بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين عن أم سلمة : أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله ( ص ) ، فاستفتيت لها رسول الله ( ص ) فقال : لتنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتدع الصلاة قدر ذلك من الشهر ، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستتر بثوب ثم لتصل ، قال في المجموع : وتهراق بضم التاء وفتح الهاء : أي تصب ، والدم منصوب بالتشبيه بالمفعول به ، أو بالتمييز على مذهب الكوفي ، قال الزركشي : ولا حاجة إلى هذا التكلف ، وإنما هو مفعول به ، والمعنى تهريق الدم ، قاله السهيلي وغيره ، قالوا : لكن العرب تعدل بالكلمة إلى وزن ما هو في معناها ، وهي في معنى : تستحاض ، وتستحاض على وزن ما لم يسم فاعله . ( وتثبت ) العادة المرتب عليها ما ذكر إن لم تختلف ( بمرة في الأصح ) فلو حاضت في شهر خمسة ثم استحيضت ردت إليها ، لأن الحديث السابق قد دل على اعتبار الشهر الذي قبل الاستحاضة ، ولان الظاهر أنها فيه كالذي يليه لقربه إليها ، فهو أولى مما انقضى ، وهذا ما نص عليه في الام والبويطي . والثاني : إنما تثبت بمرتين لأن العادة مشتقة من العود ، وأجاب الأول بأن لفظ العادة لم يرد به نص فيتعلق به . والثالث : لا بد من ثلاث مرات ، لحديث : دعي الصلاة أيام أقرائك والأقراء جمع قرء ، وأقله ثلاثة ، فمن حاضت خمسة في شهر ، ثم ستة في آخر ، ثم سبعة في آخر ، ثم استحيضت ردت إلى السبعة على الأول ، وإلى الستة على الثاني ، وإلى الخمسة على الثالث ، فإن اختلفت عادتها وانتظمت كأن كانت تحيض في شهر ثلاثة ، وفي الثاني خمسة ، وفي الثالث سبعة ، وفي الرابع ثلاثة ، وفي الخامس خمسة ، وفي السادس سبعة ، ثم استحيضت في الشهر السابع ردت إلى الثلاثة ، أو في الثامن فإلى الخمسة ، أو في التاسع فإلى السبعة ، وهكذا أبدا ، وأقل ما تستقيم العادة به في المثال المذكور ستة أشهر ، فلو لم تدر الدور الثاني على النظم السابق كأن استحيضت في الشهر الرابع ردت إلى السبعة لا إلى العادات السابقة ، فإن لم تنتظم بأن كانت تتقدم هذه مرة وهذه أخرى ردت إلى ما قبل شهر الاستحاضة إن ذكرته بناء على ثبوت العادة بمرة ، ثم تحتاط إلى آخر أكثر العادات إن لم يكن هو الذي قبل شهر الاستحاضة . فإن نسيت ما قبل شهر الاستحاضة أو نسيت كيفية الدوران دون العادة حيضناها في كل شهر ثلاثة لأنها المتيقن ، وتحتاط إلى آخر أكثر العادات ، وتغتسل آخر كل نوبة لاحتمال الانقطاع عنده . ثم شرع في المستحاضة الرابعة ، وهي المعتادة المميزة ، فقال : ( ويحكم المعتادة المميزة بالتمييز ) حيث خالف العادة لم يتخلل بينهما أقل الطهر . ( لا العادة في الأصح ) كما لو كان عادتها خمسة من أول كل شهر وباقيه طهر ، فاستحيضت فرأت عشرة سوادا من أول الشهر وباقيه حمرة ، فحيضها العشرة السواد لحديث : دم الحيض أسود يعرف ولان التمييز علامة في الدم ، والعادة علامة في صاحبته ، ولأنه علامة حاضرة ، والعادة علامة قد انقضت . والثاني : يحكم بالعادة ، لأن العادة قد ثبتت واستقرت ، وصفة الدم بصدد الزوال ، فعلى هذا يكون حيضها الخمسة الأولى منها ، والباقي بعد العشرة على الأول ، والخمسة على الثاني طهر ، فإن تخلل بينهما أقل الطهر عمل بهما ، كأن رأيت بعد عادتها الخمسة من أول الشهر عشرين أحمر ثم خمسة أسود ثم أحمر ، فالأصح أن كلا منهما حيض لأن بينهما طهرا كاملا . وقيل : يطرد الخلاف ، وعند التوافق الامر واضح . تنبيه : المبتدأة وغير المميزة والمعتادة كذلك تترك الصلاة وغيرها مما تتركه الحائض بمجرد رؤية الدم ، لأن الظاهر أنه حيض فتتربص ، فإن انقطع لدون يوم وليلة فليس بحيض في حقهن لتبين أنه دم فساد ، فيقضين الصلاة وكذا الصوم إذا نوين مع العلم بالحكم لتلاعبهن . أما إذا نوين قبل وجود الدم أو علمهن به أو لظنهن أنه دم فساد أو لجهلهن بالحكم فيصح صومهن ، وانقطع ليوم وليلة فأكثر ولدون أكثر من خمسة عشر يوما فالكل حيض ولو كان قويا