يستحب إظهارا لكراهة فراقه وعدم الرغبة في ماله ونقله في المهمات عن ابن الصباغ ونظر فيه . والظاهر أن المراد أنه أولى بالجواز لما سيأتي من أنه يكون بعد الموت أسفا على ما فات . ( و ) يجوز ( بعده ) أيضا ولو بعد الدفن ، لأنه ( ص ) بكى على ولده إبراهيم قبل موته وقال : إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون . وبكى على قبر بنت له . وزار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله . روى الأول الشيخان والثاني البخاري والثالث مسلم . والبكاء عليه بعد الموت خلاف الأولى لأنه حينئذ يكون أسفا على ما فات ، نقله في المجموع عن الجمهور ، بل نقل في الأذكار عن الشافعي والأصحاب أنه مكروه . والمعتمد الأول كما يشعر به قول المصنف ويجوز . قال السبكي : وينبغي أن يقال إذا كان البكاء للرقة على الميت وما يخشى عليه من عقاب الله تعالى وأهوال يوم القيامة فلا يكره . ولا يكون خلاف الأولى ، وإن كان للجزع وعدم التسليم للقضاء فيكره أو يحرم اه . والثاني أظهر . قال الروياني : ويستثنى ما إذا غلبه البكاء فإنه لا يدخل تحت النهي ، لأنه مما لا يملكه البشر . وهذا ظاهر ، قال بعضهم : وإن كان لمحبة ورقة كالبكاء على الطفل فلا بأس به والصبر أجمل ، وإن كان لما فقد من علمه وصلاحه وبركته وشجاعته فيظهر استحبابه ، أو لما فاته من بره وقيامه بمصالح حاله فيظهر كراهته لتضمنه عدم الثقة بالله . قال الزركشي : هذا كله في البكاء بصوت ، أما بمجرد دمع العين فلا منع منه اه . ولفظ الأول ممدود والثاني مقصور ، قال كعب بن مالك : بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل ووهم الجوهري في نسبته لحسان . ( ويحرم الندب بتعديد شمائله ) جمع شمال كهلال ، وهي ما اتصف به الميت من الطباع الحسنة ، كقولهم : واكهفاه ، واجبلاه ، لحديث : ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول واجبلاه واسنداه أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت رواه الترمذي وحسنه . هذا إذا أوصى بذلك أو كان كافرا كما سيأتي ، واللهز الدفع في الصدر باليد وهي مقبوضة . ( و ) يحرم ( النوح ) وهو رفع الصوت بالندب ، قاله في المجموع . وقيده غيره بالكلام المسجع ، وليس بقيد لخبر : النائحة إذا لم تتب ( قبل موتها ) تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب رواه مسلم ، والسربال القميص . ( و ) يحرم ( الجزع بضرب صدره ونحوه ) كشق جيب ونشر شعر وتسويد وجه وإلقاء رماد على رأس ورفع صوت بإفراط في البكاء ، كما قاله الامام ونقله في الأذكار عن الأصحاب ، لخبر الشيخين : ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية . ومن ذلك أيضا تغيير الزي ولبس غير ما جرت به العادة كما قاله ابن دقيق العيد . قال الامام : والضابط كل فعل يتضمن إظهار جزع ينافي الانقياد والاستسلام لقضاء الله تعالى فهو محرم ، ولا يعذب الميت بشئ من ذلك ما لم يوص به ، قال تعالى : * ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) * بخلاف ما إذا أوصى به ، كقول طرفة بن العبد : إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد وعليه حمل الجمهور الأخبار الواردة بتعذيب الميت على ذلك . فإن قيل : ذنب الميت فيما إذا أوصى الامر بذلك فلا يختلف عذابه بامتثالهم وعدمه . أجيب بأن الذنب على السبب يعظم بوجود المسبب ، وشاهده خبر : من سن سنة سيئة ، والأصح كما قاله الشيخ أبو حامد أن ما ذكر محمول على الكافر وغيره من أصحاب الذنوب . قال المتولي وغيره : ويكره إرثاء الميت بذكر أيامه وفضائله للنهي عن المراثي ، والأولى الاستغفار له ، والأوجه حمل النهي عن ذلك على ما يظهر فيه تبرم أو على فعله مع الاجتماع له أو على الاكثار منه أو على ما يجدد الحزن دون ما عدا ذلك ، فما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه ، وقد قالت فاطمة بنت النبي ( ص ) فيه : ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا ( قلت : هذه مسائل منثورة ) أي متفرقة متعلقة بالباب زدتها على المحرر ، والفطن يرد كل مسألة منها إلى