نام کتاب : فتاوى السبكي نویسنده : السبكي جلد : 1 صفحه : 480
نفسه باطل وضعه في هذا الموضع فإنه لو كان يجوز العدول عن الموقوف عليه المرجوح إلى الراجح الذي لم يوقف عليه لم يستقر وقف أبدا حتى يكون على أرجح الجهات وهذا خلاف إجماع المسلمين وقوله أن الشرع يدير الأحكام على مقاصد العقود غالبا أو أكثر ما قد تشاحح فيه ويقال إنه إنما يديره على موضوعاتها ودلالات ألفاظها وقد يسلم له ولا ينفعه لما سنبين أن مقصود هذا الوقف هو إقامة العلم بالجامع المذكور لا غيره وقوله أن من نذر صلاة ببيت المقدس يخرج عن نذره بالصلاة في المسجد الحرام صحيح ولكنه لا ينفعه هنا والفرق بينه وبين ما نحن فيه من وجهين أحدهما أن تدريس العلم في بقعة يترتب عليه نشر العلم في ذلك المكان وشيوعه بين أهله وربما يكون فيهم من لا يحضر في المكان الآخر ونشر العلم في جميع الأماكن مطلوب ولهذا يجب أن يكون في كل قطر من يفتي الناس ويعلمهم ويقضي بينهم وكان في تدريس العلم في بقعة مسجدا كانت أو مدرسة أو غيرها حق لأهل تلك البقعة ولما حولها فنقله إلى غيرها يفوت حقهم فلا يجوز سواء أكانت البقعة المنقول إليها مثل البقعة الأولى أو دونها أم أفضل منها ولو كان نشر العلم في المكان الفاضل يكفي عن نشره في المكان المفضول لكفى الناس كلهم نشره في مكة أو المدينة ولم يجب نشره في غيرهما من البلاد وهو خلاف إجماع المسلمين وخلاف قوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية إذا فسرناها بالنفير إلى العلم وخلاف قوله صلى الله عليه وسلم ارجعوا إلى أهليكم فمروهم وعلموهم وأما الصلاة فالمقصود منها تقرب المصلي في خاصة نفسه إلى الله تعالى وتقاربها بمعنى زيادة حصول فضله له فيها ولذا يكون ذلك في المساجد الثلاثة وهي في غيرها سواء في نظر الشارع فلذلك لم يتعين غير المساجد الثلاثة وكفى إقامتها في المسجد الحرام عن بيت المقدس وغيره لأنه أفضل ومن هذا الفرق نأخذ أن من نذر تعليم العلم في بلد لا يقوم مقامه تعليمه في بلد أفضل منه أو مثله اللهم إلا أن يكون البلد الذي نذر تعليم العلم فيه كثير العلماء غير محتاج إليه فأراد تعليمه في بلد لا علم فيه فينبغي أن يجوز وحاصله أن نفع العلم عائد إلى الناس ولا أثر لشرف البقعة فيه فقد بان تفاوت الغرضين وكما أنا نراعي إقامة العلم في بلد دون بلد ونطلب شمول التعليم فيهما كي لا يخرج أهلها في الانتقال لطلب العلم أو يتعطل العلم لذلك نراعي الأماكن في البلد الواحد لأن أهل كل محلة قد يشق عليهم الانتقال إلى غيرها بل وإن لم يشق فطباع الناس في العادة تقتضي أنه وإن لم يكن لبعضهم رغبة قوية في طلب
480
نام کتاب : فتاوى السبكي نویسنده : السبكي جلد : 1 صفحه : 480