يفهم منه أن ما لم يجهل منها يعمل بما علم منها ، وذلك العلم قد لا يكون بمشاهدة الواقف بل بالتصرف القديم ، وبه صرح في الذخيرة حيث قال : سئل شيخ الاسلام عن وقف مشهور اشتبهت مصارفه وقدر ما يصرف إلى مستحقيه قال : ينظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من الزمان من أن قوامه كيف يعملون فيه وإلى من يصرفونه ، فيبني على ذلك لان الظاهر أنهم كانوا يفعلون ذلك على موافقة شرط الواقف وهو المظنون بحال المسلمين فيعمل على ذلك اه . فهذا عين الثبوت بالتسامع . وفي الخيرية : إذا كان للوقف كتاب في ديوان القضاة المسمى في عرفنا بالسجل وهو في أيديهم اتبع ما فيه استحسانا إذا تنازع أهله فيه ، وإلا ينظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من الزمان من أن قوامه كيف كانوا يعملون ، وإن لم يعلم الحال فيما سبق رجعنا إلى القياس الشرعي ، وهو أن من أثبت بالبرهان حقا حكم له به اه . لكن قولهم المجهولة شرائطه الخ يقتضي أنها لو علمت ولو بالنظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من تصرف القوام لا يرجع إلى ما في سجل القضاة ، وهذا عكس ما في الخيرية ، فتنبه لذلك . أقول : ثم إن المراد من الشرائط والجهات كما وقع في عبارة الاسعاف وأوضحه الرملي أن يقول : إن قدرا من الغلة لكذا ثم يصرف الفاضل إلى كذا بعد بيان الجهة ، وليس معنى الشروط أن يبين الموقوف عليه لأنه لا بد منه في إثبات أصل الوقوف كما تقدم آنفا . قال الرملي : والمراد بأصل الوقف أن هذه الضيعة وقف على كذا ، فبيان المصرف داخل في أصل الوقف . أما الشرائط فلا يحل فيها الشهادة بالتسامع ، وهو معنى قوله في فتح القدير : وليس في معنى الشروط أن يبين الموقوف عليه اه . ويأتي تمام الكلام عليه قريبا إن شاء الله تعالى . تنبيه : قال في البحر : ومسألة الشهادة بالوقف أصلا وشروطا لم تذكر في ظاهر الرواية ، وأنها قاسها المشايخ على الموت . وقد اختلف فيها المشايخ : بعضهم قال يحل وبعضهم قال لا يحل ، وبعضهم فصل كما سبق ، ولكن نقل الشلبي عن شرح المجمع للمصنف في كتاب الوقف أن قبول الشهادة بالتسامع في أصل الوقف قول محمد ، وبه أخذ الفقيه أبو الليث وهو المختار اه . قوله : ( في بابه ) أي باب الوقف في فصل يراعى شرط الواقف ، وتقدم هناك تحقيقه في الحاشية ، فراجعه . قوله : ( هو كل ما تعلق به صحته ) كأن يكون منجزا مسلما مجعولا آخره لجهة لا تنقطع ونحو ذلك مما ذكر في شروط صحته . قال المصنف في الوقف : وبيان المصرف من أصله : أي لتوقف صحة الوقف عليه : أي فتقبل شهادة على المصرف بالتسامع كأصله ، وكونه وقفا على الفقراء أو على مسجد كذا تتوقف عليه صحته ، بخلاف اشتراط صرف غلته لزيد أو للذرية فهو من الشرائط لا من الأصل . قال سيدي الوالد : ولعله هذا مبني على قول محمد باشتراط التصريح في الوقف بذكر جهة لا تنقطع ، وتقدم ترجيح قول أبي يوسف بعدم اشتراط التصريح به ، فإذا كان ذلك غير لازم في كلام الواقف فينبغي أن لا يلزم في الشهادة بالأولى لعدم توقف الصحة عليه عنده ، ويؤيد هذا ما في الاسعاف والخانية : لا تجوز الشهادة على الشرائط والجهات بالتسامع اه . ولا يخفى أن الجهات هي بيان المصارف ، فقد ساوى بينهما وبين الشرائط ، إلا أن يراد بها الجهات التي لا يتوقف صحة الوقف عليها .