وعاشوا إلى اليوم لداموا مجدين مستنبطين لكل قضية حكما من القرآن والحديث وكلما زاد تعمقهم زادوا فهما وتدقيقا . نعم ، إن أولئك الفحول من الأئمة ورجال الأمة اجتهدوا وأحسنوا فجزاهم الله خير الجزاء ، ولكن لا يصح أن نعتقد أنهم أحاطوا بكل أسرار القرآن وتمكنوا من تدوينها في كتبهم [1] . 2 - قال الأستاذ عبد المتعال الصعيدي - أحد علماء الأزهر الشريف - : إني أستطيع أن أحكم بعد هذا بأن منع الاجتهاد قد حصل بطرق ظالمة ، وبوسائل القهر والإغراء بالمال . ولا شك أن هذه الوسائل لو قدرت لغير المذاهب الأربعة التي نقلدها الآن لبقي لها جمهور يقلدها أيضا ، ولكانت الآن مقبولة عند من ينكرها ، فنحن إذا في حل من التقيد بهذه المذاهب الأربعة التي فرضت علينا بتلك الوسائل الفاسدة ، وفي حل من العود إلى الاجتهاد في أحكام ديننا ، لأن منعه لم يكن إلا بطرق القهر ، والإسلام لا يرضى إلا بما يحصل بطريق الرضى والشورى بين المسلمين كما قال تعالى في الآية 28 من سورة الشورى : وأمرهم شورى بينهم [2] . 3 - قال الدكتور عبد الدائم البقري الأنصاري : منع الاجتهاد هو سر تأخر المسلمين ، وهذا هو الباب المرن الذي عندما قفل تأخر المسلمون بقدر ما تقدم العالم ، فأضحى ما وضعه السابقون لا يمكن أن يغير ويبدل لأنه لاعتبارات سياسية . منع الولاة والسلاطين الاجتهاد حتى يحفظوا ملكهم ، ويطمئنوا إلى أنه لن يعارضهم معارض ، وإذا ما عارضهم أحد فلن يسمع قوله ، لأن باب الاجتهاد قد أغلق ، لهذا جمد التشريع الإسلامي الآن ، وما التشريع إلا روح الجماعة وحياة الأمة . وإني أرجع الفتنة الشعواء التي حصلت في عهد الخليفة عثمان والتي كانت سببا في وقف الفتح الإسلامي حيث تحولت في عهده الحرب الخارجية إلى حرب داخلية ، أرجع ذلك إلى أن عثمان كان من المحافظين ، وقد شرط ذلك على
[1] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1 : 179 ، عن خاطرات جمال الدين : ص 177 . [2] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1 : 178 ، عن ميدان الاجتهاد : ص 14 .