ليكتب له ( الموطأ ) ، وقال له : إنه سيحمل الناس على ذلك ، ويجعل العلم علما واحدا ! وبعد وفاة المنصور تمكن المهدي العباسي من احتواء كلا الخطين ، إذ أناط إلى أبي يوسف مهنة القضاء وقربه إليه ، في حين كان المنصور قبله قد كسب الإمام مالكا ، وقد قرأت ذلك سابقا وعرفت تفانيه في خدمة المنصور . وقد نقل عن الإمام مالك أنه قال للمنصور : ( لو لم يرك الله أهلا لذلك ما قدر لك ملك أمر الأمة ، وأزال عنهم الملك من بعد نبيهم ولقرب هذا الأمر إلى أهل بيته . أعانك الله على ما ولاك وألهمك الشكر على ما خولك ، وأعانك على ما استرعاك ) واتخاذ هذا الموقف من قبل مالك لصالح الحكام جعل أستاذه ربيعة الرأي يبتعد عنه ويكرهه ، لأنه كان لا يداهن السلطان ولا يرتضي التعامل معهم ، فلذلك هجر الناس - تبعا للحكومة - ربيعة الرأي ، والتفوا حول مالك . وعلى أي حال ، فقد اعتذر المنصور من مالك في سنة 150 أو 151 لما أصابه من الضرب على يد والي المدينة ، فقربه ولاطفه وطلب منه أن يؤلف له كتابا في الفقه ليكون المعول عليه عند المسلمين . فقال : ( يا عبد الله ، ضع هذا العلم ودونه ، وتجنب فيه شواذ عبد الله بن مسعود ورخص ابن عباس وشدائد ابن عمر ، واقصد إلى أوسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة ، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك ونبثها في الأمصار ، ونعهد إليهم ألا يخالفوها ولا يقضوا بسواها ) [1] . فاستجاب مالك لطلب المنصور ، وألف ( الموطأ ) مع علمه بأن أهل العراق لا يستجيبون لما كتبه ، لكن المنصور طمأنه بأنه سيحملهم عليها بالقوة والسلطان ! ! فصار ( الموطأ ) دستور الحكومة ، وأول كتاب دون في الحديث للدولة العباسية . وقد روي أن أبا يحيى معن بن عيسى القزاز قرأ الموطأ على مالك للرشيد