يبايع المهدي بصدر منشرح ونفس طيبة . ورأي المهدي أن الحجاز ، وخصوصا بعد مقتل محمد النفس الزكية ، أصبحت مركزا رئيسيا من مراكز الحركة الشيعية ، فرحل إليها عام 160 ليستميل إليه أهلها حتى لا يشاركوا العلويين في حركاتهم ، فأعلن المهدي في الحجاز بداية سياسة جديدة والعفو العام ، وبالغ في التقرب إليهم ، حتى قيل بأن عدد الثياب المهداة إلى أهالي مكة مائة وخمسون ألف ثوب ، وصرف عليهم أموالا طائلة واهتم بالأماكن المقدسة فيها . والشيعة كانوا على حيطة من سياسة المهدي وتعاملوا معها بحذر . والمعروف عن المهدي إنه كان يتخوف من ثلاثة أشخاص : 1 - عيسى بن موسى ، ولي عهد المنصور سابقا . 2 - عيسى بن زيد ، أخو الحسن الذي بايع المهدي أولا . 3 - علي بن العباس بن الحسن . وقد نصح المنصور المهدي بقوله : ( يا بني إني قد جمعت لك من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبلي وبنيت لك مدينة لم يكن في الإسلام قبلها ، ولست أخاف عليك إلا أحد رجلين : عيسى بن موسى ، وعيسى بن زيد ، فأما عيسى بن موسى فقد أعطاني من العهود والمواثيق ما قبلته ، ووالله لو لم يكن إلا أن يقول قولا لما خفته عليك ، فأخرجه من قلبك . وأما عيسى بن زيد فانفق هذه الأموال واقبل هؤلاء الموالي واهدم المدينة حتى تظفر به ثم لا ألومك ) . علما بأن عيسى كان قد اتخذ الكوفة مركزا لنشاطه السياسي بعد أن كان في البصرة يقاتل العباسيين مع إبراهيم حتى قتل ، فالعباسيون كانوا يراقبون تحركات الشيعة للوقوف على مكان عيسى وغيره من المجاهدين . وكانوا يسعون للعثور عليهم على ضوء ما يمارسونه من عبادات . وقد مرت عليك النصوص السابقة وكيف تعرفوا على يحيى ، وإن سليمان بن جرير جاء إلى إدريس وقال : إن السلطان طلبني لما يعلمه من مذهبي . ومن المستحسن أن نذكر خبرا آخر عن عيسى بن زيد حتى نقف على ظلامة الطالبيين ، ثم نعرج على رواية الوضوء في هذا العهد .