جهة . ومن جهة ثانية ، كان الإمام أبو حنيفة يعيش في الكوفة ، ويرى أن غالب أهلها علويون فكرا ، فكان عليه أن يتسلح بسلاح الحديث والمأثور إلى جوار ما يحمله من الاستدلال والرأي ، فذهب إلى المدينة للاستزادة من حديث محمد الباقر وجعفر الصادق لتقوية مكانته الاجتماعية في الكوفة أكثر من ذي قبل . قال المستشرق رونلد سن : إن الشيعة كانوا يحترمون ويجلون أبا حنيفة لصلاته الودية بالإمام جعفر الصادق ، وقد ازداد إعجابهم به حينما قال عن العباسيين : إنهم لو أرادوا بناء مسجد وأمروه بإحصاء الأجر فإنه لا يفعل ، لأنهم فاسقون والفاسق لا يتولى الإمامة [1] . أما الإمامان الباقر والصادق فكانا يتخوفان على شيعتهم من الإمام أبي حنيفة وأشاروا عليهم بالحيطة والحذر من آرائه لمخالفتها أصول مدرستهم ( مدرسة السنة والتعبد ) بل ولموافقة اجتهاد الإمام أبي حنيفة للرأي والقياس ، في حين يرى أهل البيت أن دين الله - أي التشريع - لا يقاس بالعقول . هذا وإن القول بالرأي لا يدل على كون قائله من المتأثرين بالحكومة قطعا ، أو هو من أتباع السياسة الأموية ، بل إن الفقيه قد يوافق السلطان في رأيه وقد لا يوافقه ، ومن ذلك ما قلناه في مسألة الوضوء العثماني ، فإن ذهاب أبي حنيفة إلى وضوء عثمان لا يعني أنه قد استجاب للسلطان أو تأثر بالأجواء الحاكمة ، بل إنه تبنى هذه الوجهة لموافقتها للأصول التي رسمها لنفسه وبنى عليها فقهه . وعليه ، فإن توافق الآراء لا يعني تطابق السياسة والمنحى ، وقد عرف عن الإمام أبي حنيفة إنه كان الوحيد في الكوفة الذي يترحم على عثمان بن عفان . وقد نقل سعيد بن عروبة ذلك بقوله : ( قدمت الكوفة ، فحضرت مجلس أبي حنيفة ، فذكر يوما عثمان فترحم عليه . فقلت له : وأنت يرحمك الله ! ! فما سمعت أحدا في هذا البلد يترحم على عثمان