( . . . . ولقد كانت رقعة الخلاف في عهد الصاحبين أبي بكر وعمر ضيقه جدا ، وسبب ذلك أن الصحابة لم يتفرقوا في الآفاق ، وكانا يرجعان إليهم فيما جد من المسائل عن ميمون بن مهران قال : كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى ، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به ، وإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله ( ص ) ، فإن وجد ما يقضي به قضى به ، فإن أعياه ذلك سأل الناس هل علمتم أن رسول الله ( ص ) قضى فيه بقضاء ؟ فربما قام إليه القوم فيقولون : قضى فيه بكذا وكذا ، وإن لم يجد سنة سنها النبي ( ص ) جمع رؤساء الناس فاستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على شئ قضى به ، وكان عمر يفعل ذلك فإذا أعياه أن يجد ذلك في الكتاب والسنة سأل : هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء ؟ فإن كان لأبي بكر قضاء ، قضى به ، وإلا جمع الناس واستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على شئ قضى به [1] . ثم بدأت حلقة الخلاف تتسع من بعدهما ، ولقد ساعد على تفشي الخلاف انسياح أصحاب رسول الله في البلدان المفتوحة واتخاذهم إياها وطنا ، وتلقي أبنائها عنهم ما سمعوه عن رسول الله ( ص ) وقد يكون عند بعضهم ما لا يكون عند الآخر . . . ) [2] وعليه فإن البحث الإسنادي - وكما قلنا - وحده لا يكفي في الدراسات التشريعية وخصوصا في النصوص الصادرة في أيام الفتنة الكبرى أو ما يتعلق ويرتبط بها ، إلا إذا قيست بأقرانها ولوحظت الظروف السياسية الحاكمة آنذاك ، وإن القارئ لو وقف على سلبيات بعض تلك الروايات لوافقنا في انتهاجنا مثل هذا الأسلوب لمعرفة الأحكام الشرعية ومحاكمتنا للنصوص . وختاما أرجو من قرائي الأعزاء أن لا يحكموا علينا بشئ إلا بعد انتهائهم من قراءة جميع فصول الكتاب ، ووقوفهم على وجهات النظر فيها .
[1] - أعلام الموقعين 1 : 61 . [2] - أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء : 36 - 37 .