لا يروي عنه ( ص ) الأحاديث الوضوئية الصحابة المكثرون ؟ ومن هنا - وطبقا لما ذكرناه - نقول قانعين : إن الاختلاف لم يدب بين المسلمين في تلك الحقبة من عصر الإسلام ، بل نشأ في عهد الخليفة الثالث ، الذي وردت عنه نصوص بيانية - تتجاوز الآحاد - في صفة وضوء النبي ( ص ) . ولو دقق الباحث اللبيب النظر فيها لرآها تتضمن الكثير من الإشارات الدالة على حدوث الاختلاف في زمنه . أضف إلى ذلك أن عثمان كان يستغل كل الفرص المؤاتية ليري الناس وضوءه ، ويحاول التأكيد عليه بشتى الأساليب - كما سترى [1] - . والآن لنتعرف على البادئ بالخلاف ، وهل أن وضوءه هو وضوء رسول الله ؟ وكيف بدأ الشق في الصف الإسلامي ، ولم ؟ من هو البادئ بالخلاف ؟ نرجع إلى بعض التساؤلات السابقة لتقريرها فنقول : يفترض مبدئيا كون الميل والانحراف أو الخطأ في التفكير المستتبع للخطأ في السلوك العملي ، إنما ينتج عن هفوات وزلات عامة الناس ، ويكون دور الحاكم في هذه الحال دور المقوم والمصحح لما يصدر من خطأ أو شذوذ في التفكير أو في المنهج العملي ، حيث نرى الأمم في شتى مراحل تطورها تؤمر على نفسها أو يتأمر عليها من يتوخى منه أن يقيم الأود ويشد العمد ، ويحافظ على مسار الأمة ، ويدافع عن أفكارها وآرائها . لكن الدلائل والمؤشرات في نزاع الوضوء تقودنا إلى غير ذلك ، لأن ( الناس ) المخالفين هذه المرة هم من أعاظم الصحابة وفقهاء الإسلام [2] ، وليس فيهم من
[1] في الصفحات 58 - 66 من هذا الكتاب . [2] ستقف على أسمائهم في الصفحات 115 إلى 140 .