مذهب الإمام أبي حنيفة وأول مذهب يطالعنا في ذلك العصر وأقدمه هو مذهب الإمام أبي حنيفة ، فإن الإمام كان من أوائل الذين تقدموا لمبايعة أبي العباس السفاح في جملة من بايعه من الفقهاء ، حيث إن الناس كانوا يتشوقون لحكم وعدهم بإقامة العدل والسنة لينقذهم من جور الأمويين . لكن أبا حنيفة سرعان ما أدرك انحراف العباسيين وشراءهم لضمائر بعض الفقهاء والعلماء ، فابتعد عن السلطة ورفض أن يتولى القضاء للمنصور العباسي رغم كل السبل التي اقتفاها لاحتوائه ، فكلما ازدادوا إلحاحا عليه ازداد ابتعادا عنهم ورفضا لتولي القضاء ، حتى وصل الأمر إلى سجنه وتعذيبه ، وقيل : إنه مات مسموما على أيدي العباسيين . وعلى كل حال فإنه لم يدون فقهه للسلطان ولا لغيره ، اللهم إلا وريقات باسم ( الفقه الأكبر ) في العقائد نسبت إليه ، ولم يصح ذلك على وجه القطع واليقين . ثم إن السلطات بعد وفاة الإمام أبي حنيفة استطاعت أن تحتوي اثنين من أكبر تلامذته ، هما : أبو يوسف القاضي ، ومحمد بن الحسن الشيباني اللذين كانا ينسبان كل ما وصلا إليه من رأي إلى أبي حنيفة ! وكان أبو يوسف قد انضم إلى السلطة العباسية أيام المهدي العباسي سنة 158 وظل على ولائه أيام الهادي والرشيد ، ودون من كتب الفقه : الصلاة ، الزكاة ، الصيام ، الآثار ، الفرائض ، البيوع ، الحدود ، الوكالة ، الوصايا والصيد ، الذباحة ، وكتاب اختلاف الأمصار ، وكتاب الرد على مالك بن أنس . وأهم كتبه : كتاب الخراج ، الذي ألفه بناء على طلب من الخليفة هارون الرشيد في جباية الخراج ، فالمؤلف خرج عن حدود تلك الدائرة إلى موضوع الإمامة والخلافة وشؤون القضاء والحرب ! وقد ذكر المؤرخون سبب اتصال أبي يوسف بالرشيد وتوثيق علاقاته معه : إن بعض القواد حنث في يمين ، فطلب فقيها يستفتيه فيها ، فجئ بأبي يوسف ، فأفتاه إنه لم يحنث ، فوهب له دنانير وأخذ له دارا بالقرب منه واتصل به .