بمنزلة وصية من رسول الله في عدم فضحه للمنافقين ( إلا أن ترى كفرا بواحا ) . أما تعميم ذلك على جميع المسلمين وأن نستخرج منه أصلا شرعيا ، فهو تحريف للسنة الشريفة والعقيدة الإسلامية الآمرة بلزوم مواجهة الظالمين ، وأن أعظم الجهاد ( كلمة حق عند سلطان جائر ) ، و ( إن الساكت عن الحق شيطان أخرس ) . فكيف يسمح الإسلام بتصدر الفاسق لإمرة المسلمين ، وسبحانه يصرح : ( لا ينال عهدي الظالمين ) وما تعني وهذه الرؤى ؟ ! هذا ، وإن موقف أنس بن مالك يدل على أصالة نهج الوضوء الثنائي المسحي ، لأنه على رغم مخالفته لعلي وعدم شهادته في صدور جملة : ( من كنت مولاه ) [1] فيه ، تراه يدافع وبكل صلابة عن وضوء الناس ، فما معنى ذلك ؟ ! ألم يكن لثبوته عنده ، وأنه قد رأى رسول الله يفعل ذلك ، وأن القرآن نزل به ؟ ! وكيف يترك ما شاهده عن الرسول وينساق إلى الحكام ؟ خبر مشوه أما الأمويون - ومن باب الملازمة - فقد سعوا لتضعيف تلك الأخبار ، بما رووه عن أنس وأنه يدعو إلى الوضوء الثلاثي ، ليعارضوا ما ثبت عنه في المسح . أخرج الطبراني في الصغير بسنده عن عمر بن أبان بن مفضل المدني ، قال : أراني أنس بن مالك الوضوء . . أخذ ركوة فوضعها على يساره ، وصب على يده اليمنى فغسلها ثلاثا ، ثم أدار الركوة على يده اليمنى فتوضأ ثلاثا ثلاثا ، ومسح برأسه ثلاثا ، وأخذ ماء جديدا لسماخيه ، فمسح سماخيه . فقلت له : قد مسحت أذنيك ! فقال : يا غلام ، إنها من الرأس ، ليس هما من الوجه ، ثم قال : يا غلام ، هل رأيت وفهمت ، أو أعيد ذلك ؟ فقلت : قد كفاني ، وقد فهمت .
[1] مسند أحمد 1 : 84 ، 118 ، الجامع الصغير 2 : 642 / 9000 ، سنن الترمذي 5 : 297 / 3797 .