لا يقال إن الحكم بنجاسة البئر كان مجمعا عليه بن المتقدمين فكانوا يفتون بوجوب نزح المقدارت عند تنجسه ، قاطعين به ، ثم بعد مضي قرون متوالية على هذا أعرض العلماء عن ذلك وأفتوا بعدم تنجسه بالملاقات وقالوا باستحباب المنزوحات واشتهر هذا القول حتى اتفقت كلمة المتأخرين على ذلك ، بلا قيل وقال ، فأي اشكال أو بعد في كون مسئلتنا أيضا كذلك وأن يفتي المتأخرون بطهارة أهل الكتاب ويوافقوا المحقق السبزواري مثلا وزملاءه في الافتاء بذلك بعد أن كان السابقون مجمعين على النجاسة ؟ فإنا نقول : بين المسألتين بون بعيد وفرق ظاهر ، فإن مسألة البئر ونزحه حكم لم يكن له عرق قرآني بل مأخذه أخبار واردة في الباب فقط ، وهذه الأخبار وإن كانت مسلمة الصدور عنهم عليهم السلام ولم يكن صدورها للتقية لكنها مع ذلك لم تكن بنحو يوجب حكم الفقهاء جزما بنجاسة البئر لا جلها . فترى الشيخ الصدوق قدس سره قال في الهداية : ماء البئر واسع لا يفسده شئ ، 1 ثم ذكر مقادير النزح من دون تصريح بالنجاسة وهذا سواء كان عين فتواه و نظره أو أنه كانت رواية نقلها بصورة الفتوى لا يدل على أكثر من حسن النزح و استحبابه ، أو على الوجوب تعبدا ، ولا دلالة فيه على النجاسة ، ولا تصريح فيه بذلك . وذهب شيخ الطائفة أيضا إلى القول بعدم الانفعال والتنجس على ما نسب إليه العلامة في المختلف ، ومال إليه جماعة ذكر أسمائهم في مفتاح الكرامة 2 وآل الأمر إلى أن قال بعض العلماء 3 : إن الاجماع القائم على انفعال البئر بالملاقات
1 . الهداية ص 14 ، لكن في النسخة الموجودة عندي : ماء النهر . . . فراجع 2 . ج 1 ص 79 3 . هو المحقق الهمداني على ما يستفاد من كلامه قدس سره .