نام کتاب : موسوعة طبقات الفقهاء ( المقدمة ) نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 16
وقد سلك القرآن في سبيل قلع جذور تلك الرذائل مسلك التدرّج . فتارة جعل السكر مقابلاً للرزق الحسن ، وقال : ( وَمِن ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) . [1] فاعتبر اتّخاذ الخمر من التمور والأعناب - في مجتمع كان تعاطي الخمر فيه جزءاً أساسياً من حياته - مخالفاً للرزق الحسن ، وبذلك أيقظ العقول . وهذه الآية مهّدت وهيّأت العقول والطبائع المنحرفة لخطوة أُخرى في سيرها نحو تحريم الخمر ، فتلتها الآية الثانية معلنة بأنّ في الخمر والميسر إثماً ونفعاً ، ولكن إثمهما أكبر من نفعهما ، قال سبحانه : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) . [2] إنّ هذا البيان وإن كان كافياً إلاّ أنّ جماهير الناس لا يقلعون عن عادتهم المتجذّرة ما لم يرد نهي صريح حتى وافتهم الآية الثالثة ، قال سبحانه : ( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُون ) [3] فالآية الكريمة جاءت بالنهي الصريح عن شرب الخمر في وقت محدّد ، أي عند إرادة الصلاة بغية الوقوف على ما يتلون من القرآن والأذكار . فهذه الخطوات الثلاث هيّأت أرضية صالحة للتحريم القاطع الذي بيّنه سبحانه في قوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّما الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . [4] وأدلّ دليل على أنّ التشريع القرآني كان يتمتع بالتدرّج ، تتابع الأسئلة على