وقد تصدّى جملة من الفقهاء العظام في هذا العصر لأداء هذا الدور الرسالي ، فظهرت دراسات علمية ومؤلفات معمّقة وبديعة في الاقتصاد الاسلامي والفلسفة الاسلامية والفقه السياسي ونظرية الحكم في الإسلام وغير ذلك . كما صدرت ممارسات ميدانية من قبل المرجعية الدينية للتصدّي للكفار ، ومواجهة النفوذ الاستعماري الغربي وتعبئة طاقات الأُمّة ضد المستعمرين ، كما نجد ذلك في فتوى الميرزا الشيرازي الكبير [ ت = 1312 ه ] بتحريم التنباك ضد مطامح الاستعمار البريطاني في إيران في العهد القاجاري ، ونجد أيضاً في فتوى الشيخ محمّد تقي الشيرازي [ ت = 1338 ه ] - تلميذ الميرزا الكبير - بالجهاد في العراق ضد الاحتلال البريطاني والذي اشترك فيه الفقهاء مع الشعب في الجهاد ضد الإنجليز ، وموقف المحقق الخراساني [ ت = 1329 ه ] والميرزا النائيني ( قدس سره ) [ ت = 1355 ه ] وأفكارهم ضد الاستبداد القاجاري وطرح نظرية الحكم الدستوري الشرعي . وكان آخر حلقات هذه الجهود الفقهية والسياسية المباركة موقف المرجعية العليا في إيران وعلى رأسهم الإمام الخميني ( قدس سره ) [ ت = 1409 ه ] من الحكم البهلوي الغاشم العميل للشيطان الأكبر أمريكا حيث استطاع الإمام أن يستنهض الأُمّة ويعبّئ طاقاتها ضده حتى سقوطه وإقامة حكم إسلامي يعتمد النظرية الفقهية طبقاً لمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) في الحكم وهي نظرية ( ولاية الفقيه ) التي كان قد شرحها وهذّبها وأوضح معالمها في بحوثه الفقهية التي ألقاها على تلامذته في النجف الأشرف ثمّ وفّقه الله سبحانه وتعالى لتطبيقها وتجسيدها واخراجها إلى النور في إيران الإسلام . فكانت الجمهورية الاسلامية اليوم وما فيها من دستور وقوانين مستمدّة من الفقه الاسلامي حصيلتها وثمرة من ثمرات فكر وجهاد هذا الإمام الذي كان من أبرز فقهاء ومراجع هذا العصر الفقهي الزاهر ، فسلام الله عليه يوم ولد ، ويوم حقّق هذا الانجاز العظيم ، ويوم ارتحل عنّا ، ويوم يبعث حيّاً . وبهذا نختم البحث عن تاريخ فقه أهل البيت ( عليهم السلام ) والمراحل التي مرّ بها وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين