4 - الخلفيّة التاريخية للموسوعة الفقهية : بدأ التفكير في إصدار موسوعة للفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه منذ ما يقرب من نصف قرن ، مع تزايد الشعور بالصعوبات التي تمنع غير الاختصاصيين وغير المشتغلين بالفقه من الإفادة على الوجه الأكمل من التراث الفقهي . ويمكن الإشارة إلى ثلاث من هذه الصعوبات : - الأُولى : إنّ التراث الفقهي قد تضخّمت مباحثه وتراكمت كتبه ومراجعه عبر العصور حتى صارت كمّاً هائلاً لا يكفي العمر لاستيعابه والإحاطة به ؛ فإنّ المكتبة الفقهية مليئة بالمؤلّفات والمصنّفات المختصرة والموسّعة ، لأنّ حركة التأليف لم تنقطع في يوم من الأيام وفي عصر من العصور ، فقد واصل الفقهاء - رغم الظروف الصعبة والمعاناة القاسية التي مرّ بها أكثرهم - تدوينهم للكتب والمصنّفات . وبالرغم من عدم وصول أغلب هذه المؤلّفات لتعرّض الكثير منها وللأسف الشديد إلى الضياع والتلف ، إلاّ أنّ ما وصلنا إلينا منها إلى الآن هو كمّ هائل وعظيم . فإذن التفكير بكتابة موسوعة فقهيّة يكون طبيعياً ، بل أمراً حتميّاً لا بدّ منه . الثانية : صعوبة اللغة وأساليب التعبير التي يستخدمها الفقهاء بالنسبة للمثقّف العادي لبعدها عن العصر من ناحية ، ولاستعمالهم فيها مصطلحات ذات دلالات علمية محددة لا يعرفها إلاّ المشتغلون بالفقه ، ولسلوكهم منهج الاختصار والتركيز في الكتابة غالباً بحيث تصبح عباراتهم أحياناً رموزاً مغلقة لا يفهمها إلاّ المتخصّصون . الثالثة : صعوبة استدعاء المعلومات من المراجع الفقهية ، فكثير من المسائل تتجاذبها أبواب شتّى في الفقه ، ولا يعرف مظانّ بحثها مَن ليست له خبرة وممارسة طويلة في الفقه . هذه الأُمور مجتمعة كانت وراء بروز فكرة الموسوعة الفقهية ، وهي التي حملت بعض المهتمين بالفقه الإسلامي على التفكير في الإفادة من الطريقة الموسوعية لتجديد صياغة الفقه الإسلامي ، وإعادة سبكه ، وعرضه عرضاً شاملاً يجمع بين الدقة والوضوح وسهولة الترتيب .