2 - مرحلة الفقه الاجتهادي ( عصر الاجتهاد ) : إلاّ أنّ اكتمال الأحاديث والنصوص المبيّنة للشريعة الصادرة من قبل الأئمة ( عليهم السلام ) من ناحية ، وتخرّج الكثيرين من الفقهاء الأفذاذ والعلماء الكبار ممّن تربّى على أيديهم من ناحية ثانية ، وتزايد الضغوط والمراقبة عليهم من قبل الحكّام الجائرين من ناحية ثالثة ، وتضافر الناس وإقبالهم على مذهب أهل البيت تدريجياً من ناحية رابعة . كل هذه الجهات وغيرها دعت الأئمة المتأخرون إلى التمهيد لاستقلالية الفقه والفقهاء واعتماد الشيعة على أنفسهم بالتدريج ، وذلك بأمرهم ( عليهم السلام ) الناس بالرجوع إلى الفقهاء ورواة أحاديثهم ، والذين أُطلق عليهم فيما بعد نوّاب الإمام ، وعبّر عن وظيفتهم الشرعية بالنيابة العامّة ، وعن رجوع الناس إليهم بالتقليد . وهذا التمهيد كان قد بدأ به قبل عصر الغيبة من قبل الأئمة المتأخرين ، حيث كانوا في موارد خاصّة يُرجعون شيعتهم في الأقطار الاسلامية البعيدة عنهم إلى بعض الفقهاء أمثال : زكريا بن آدم ، ويونس بن عبد الرحمن [ ت = 208 ه ] ، وغيرهم ليأخذوا عنهم معالم دينهم ؛ إلاّ انّه حصل بشكل عام في عصر الغيبة الصغرى وأصبح منحصراً فيه ومتعيّناً بانتهاء هذا العصر وبدء الغيبة الكبرى ، وقد أعلنتها جملة من النصوص من قبيل التوقيع المعروف الصادر من الناحية المقدّسة ( عليه السلام ) الذي رواه إسحاق بن يعقوب ، قال : " سألت محمّد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان ( عليه السلام ) : أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك . . . - إلى أن قال - : وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ؛ فإنهم حجتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم " [1] . وكان مبدأ هذا العصر في عام 329 ه الذي وقعت فيه الغيبة الكبرى بوفاة السفير الرابع وهو مستمر إلى يوم يفرّج الله سبحانه على العالم بظهور الإمام المنتظر - عجّل الله له الفرج - ليملأ
[1] الوسائل 27 : 140 ، ب 11 من صفات القاضي ، ح 9 . كمال الدين : 484 ، ب 45 من التوقيعات ، التوقيع الرابع . الغيبة ( الطوسي ) : 177 .