كالارتزاق من بيت المال ، فإنه معد لمصالح المسلمين ، فيجوز صرفه في أي جهة ترجع إليهم وتمس بهم . بل يجوز لهؤلاء المتصدين للجهات المزبورة أن يمتنعوا عن القيام بها بدون الارتزاق من بيت المال ، إذا كان العمل من الأمور المستحبة ، وعليه فلا وجه لاعتبار الفقر والاحتياج في المرتزقة ، كما ذهب إليه جمع كثير من أعاظم الأصحاب . لا يقال : إذا صار القضاء وأمثاله من الواجبات العينية ، كان شأن ذلك شأن الواجبات العينية الثابتة على ذمم أشخاص المكلفين ، كالصلاة والصوم والحج ونحوها ، ومن الواضح جدا أنه لا يجوز الارتزاق من بيت المال بإزائها . فإنه يقال : إن القضاوة ونحوها وإن كانت من الواجبات العينية فيما إذا انحصر القاضي بشخص واحد ، ولكنها مما يقوم به نظام الدين ، فتكون من الجهات الراجعة إلى مصالح المسلمين ، فقد عرفت أن مصرف بيت المال إنما هو تلك المصالح ، فلا يقاس القضاء وأمثاله بالواجبات العينية ابتداء ، خصوصا إذا أراد القاضي أن ينتقل من بلده إلى بلد آخر ، بل الأمر كذلك في جميع الواجبات العينية إذا توقف على الاتيان بها ترويج الدين ومصلحة المسلمين .