وقد كان المؤلفون القدماء كثيرا يقولون : إن أسواق العلوم كاسدة وتجارتها غير مربحة ، وأن الناس قد رغبت عنها إلى ملاذ الدنيا وشهواتها ، وقصرت بأنظارها إلى الحطام العاجل والعرض الزائل ، وأنهم قد استأثروا الكسل على الجد والنوم على السهر والراحة على العمل ، وأن الدنيا قد أدبرت عن ورثة الرسالة وأصحاب الأمانة ، وأمثال هذه الكلمات صارت عنوانا لفواتح الكتب ومستهلات الخطب والرسائل . وأما نحن ، فلنا أن نفتخر بحمد الله وأفضاله على هذا العهد الزاهي ، الذي ازدهرت فيه أنوار العلوم ، وأشرقت فيه شموس المعارف ، وأصبحت الأمم من كل حدب وصوب يتجهون إلى هذه المدينة المقدسة ، مدينة سيد العلماء على الاطلاق بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وازدحمت المدارس بطلابها ، وضاقت بهم أرجاؤها ، نحمده تعالى على هذه الموهبة الجليلة والنعمة الجسيمة ، ونسأله أن يوفقنا لخدمات الدين واحياء شريعة سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) ، وأن يجعلنا من المشمولين لقوله عز من قائل : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم . محمد علي التوحيدي