وقد تمسك بعض العامة بذلك عند بحثنا معه في حرمة شرب التتن وأجبنا عنه بأنه لو صح ما أضر كثيره فقليله حرام للزم الالتزام بحرمة جميع المباحات ، فإن من الواضح أنه ما من شئ في العالم إلا وتكون مرتبة خاصة منه مضرة للمزاج . حرمة بيع شحوم ما لا يؤكل لحمه : قوله : ولا ينافيه النبوي : لعن الله اليهود [1] . أقول : وجه التنافي هو توهم الملازمة بين حرمة الأكل وحرمة البيع ، وأجاب عنه المصنف بأن الظاهر أن الشحوم كانت محرمة الانتفاع على اليهود بجميع الانتفاعات لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا . وفيه : أنه لا منشأ لهذا الظهور لا من الرواية ولا من غيرها ، بل الظاهر منها حرمة أكلها فقط ، كما هو المستفاد من الآية [2] أيضا ، فإن الظاهر من تحريم الشحوم فيها تحريم أكلها لكونه منفعة ظاهرة لها ، إلا أنك عرفت في البحث عن النبوي المشهور أن حرمة الأكل لا يستلزم حرمة البيع وضعا وتكليفا باتفاق من الشيعة ومن العامة .
[1] عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول عام الفتح وهو بمكة : إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلي بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ، فقال : لا ، هو حرام ، ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه - أي أذابوه - ثم باعوه وأكلوا ثمنه ( راجع سنن البيهقي 6 : 12 ، وسبل السلام 2 : 316 ، وصحيح البخاري باب لا يذاب شحم الميتة 2 : 107 ، وباب بيع الميتة 2 : 110 ) ، وتقدم أيضا بعض روايات الشحوم . [2] قوله تعالى : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ( الأنعام : 147 ) .