الكثافة في الاعتصام ؟ ! ومن الواضح منافاته لما هو المعهود من مذاق الشرع [1] . وفيه : مضافاً إلى أنّه مجرّد استبعاد ، ولا يجوز رفع اليد عن ظواهر الأدلَّة بسببه أنّ التفصيل بين الماءين ، والحكم بوجود الفرق في البين ، موافق للاعتبار أيضاً ، فإنّ الاستقذار الحاصل بالنسبة إلى الماء الأوّل ، أشدّ من الاستقذار المتحقّق بالإضافة إلى الثاني ، وحينئذٍ يحتمل مدخلية تلك المرتبة الشديدة في الحكم بالنجاسة ، فلا يجوز رفع اليد عن الظواهر مع هذا الاحتمال إلَّا بدليل أقوى ، والمفروض انتفاؤه . وربما يقال : إنّ المعتبر في الانفعال هو التغيّر الواقعي النفس الأمري ولو كان مستوراً عن الحِسّ [2] . وفيه : أنّه إن كان المراد التغيّر بحيث يكون يعرفه العرف ، فهو راجع إلى ما ذكرنا ، وإن كان المراد التغيّر الواقعي ولو لم يعدّ تغيّراً في نظر العرف ، فاللازم الحكم بنجاسة البحر لو وقع فيه قطرة دم ؛ إذ لا يُعقل انفكاك التأثير عن هذه القطرة بحسب الواقع ، غاية الأمر أنّ العرف لا يراه متغيّراً . وبالجملة : الظاهر أنّه لا إشكال في أنّ المدار هو التغيّر الفعلي ؛ أي الذي يعدّ بنظر العرف تغيّراً ، والأدلَّة التي استُدلّ بها على عدم الاختصاص ، راجع أكثرها إلى مجرّد الاستبعاد ، كما عرفت بعضها [3] ، ومن المعلوم أنّه لا يجوز رفع اليد عن الظواهر بمجرّد ذلك .