اللفظ عن معناه ، فاللفظ الأوّل ليس الملقى به أوّلا إلَّا اللفظ ، وهو حاك عن المعنى ، فيكون اللفظ حينئذ نظير الكتابة ، حيث إنّ الكاتب ينقل بكلّ نقش من النقوش حرفا وضع ذلك النقش له ، ثمّ يحكي بتلك الحروف الملتئمة المعنى ، فاللفظ أيضا قد يكون بهذه المثابة . وهذان القسمان مشتركان في كون المقصود الأصلي في اللبّ هو المعنى ، بحيث إن كان ذمّا يكون كذلك فيهما ، وإن كان مدحا فكذلك ، إلَّا أنّ الفرق في كيفيّة الحكاية ، ففي أحدهما المنظور الاستقلالي هو المعنى ، وفي الآخر هو اللفظ . وبعبارة أخرى : الملقى بالفتح نحو المخاطب في أحدهما هو المعنى ، وفي الآخر هو اللفظ . وبعبارة ثالثة : تارة يكون فعل المتكلَّم إعطاء المعنى ، وأخرى إعطاء اللفظ ، والأوّل أيضا على قسمين ، فتارة يكون الغرض مقيّدا بإعطائه بلفظ مخصوص ، وأخرى غير مقيّد به ، بل الغرض حاصل بأدائه بأيّ لفظ . مثلا تارة يكون المقصود هو الإخبار بقيام زيد بأيّ لفظ كان مؤدّيا له ، سواء كان قوله : زيد قائم ، أو قيام زيد موجود ، أو نحوهما ، وأخرى يكون ذلك ، ولكنّ الغرض متعلَّق بخصوص أدائه بلفظ : زيد قائم مثلا ، دون سائر التراكيب . وحينئذ نقول : لفظة « الله أكبر » الذي أمر به في أوّل الصلاة يحتمل أن يكون من باب القسم الأخير ، أعني : أن يكون المأمور به إنشاء الثناء له تعالى بالكبرياء مع تعلَّق الغرض بأدائه بخصوص هذا التركيب ، دون ما يؤدّي مؤدّاه . ويحتمل أن يكون من قبيل القسم الأوّل ، أعني : أن يكون المأمور به إعطاء اللفظ المخصوص دون المعنى وإن كان جهة الأمر بإعطاء ذلك اللفظ أيضا كونه مؤدّيا لمعناه .