ففي خبر القاسم بن سليمان : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدا ثم يتوب ولا يعلم منه إلا خير تجوز شهادته ؟ قال : نعم . ما يقال عندكم ؟ قلت : يقولون : توبته فيما بينه وبين الله تعالى ، ولا تقبل شهادته أبدا . فقال : بئسما قالوا ، كان أبي يقول : إذا تاب ولم يعلم منه الأخير جازت شهادته ) وظاهر اعتبار شئ زائدا على التوبة ، فيعلم حينئذ كون المراد من ( الاصلاح ) في الآية ( أن لا يعلم منه الأخير ) بعد التوبة ، لأن كلامهم عليهم السلام كالتفسير لها فظهر اشتراط اعتبار ذلك زيادة عن ( التوبة ) خلافا لمن نفى ذلك ، وأن العطف ليس تفسيريا خلافا لمن احتمله ، وأنه لا يكفي في ذلك الاستمرار على التوبة ولو ساعة خلافا للمحقق وغيره ، والقول بأن المراد أن لا يعلم منه الأخير قبل التوبة خلاف ظاهر الخبر . فالحق هو القول باشتراط اصلاح العمل زيادة عن التوبة [1] .
[1] أقول : توضيح ما ذكره السيد الأستاذ هو : إن الآيات التي جاء فيها ( الاصلاح ) بعد ( التوبة ) على طوائف ، منها : الآية المذكورة في صدر المسألة وهي في سورة النور : 5 : ( والذين يرمون المحصنات . إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا . ) وقوله تعالى : ( والسارق والسارقة . فمن تاب من بعده وأصلح . ) وقوله : ( . إنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح . ) . ومنها : الآية في سورة آل عمران : 89 : ( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم . إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا . ) ونحوها . ومنها : الآيات الكثيرة التي جاء فيها ( العمل الصالح ) بعد الايمان ( والتوبة ) . والمستفاد من مجموعها أن التوبة لا تتحقق أو لا تكمل إلا بالاصلاح الذي هو ضد الافساد ، فلا بد من اصلاح العبد ما بينه وبين مولاه بالدخول في الصلاح والقيام بالصالحات ، حتى لا يعلم منه إلا خير . وهذا هو ظاهر الطائفتين الثانية والثالثة من الآيات . إلا أن الطائفة الأولى امتازت ببيان اشتراط التوبة عن تلك الذنوب الخاصة - وهي ارتكاب ( رمي المحصنات ) و ( السرقة ) و ( السوء ) باصلاح ما أفسد في تلك الموارد ، بالاصلاح المناسب لكل منها ، ومن الواضح إن اصلاح ما أفسده في مورد آية رمي المحصنات يكون باكذاب نفسه بين الناس ، وبه صرحت النصوص . فالعمل الصالح زيادة عن التوبة شرط ، وقد يشترط بالإضافة إلى ذلك في بعض الموارد اصلاح خاص .