لجميع شرائط العقد ، غاية الأمر كان الداعي إليه خوف الضرر المتوعّد به ، لا ما اختل فيه بعضها كما لو كان غير قاصد إلى اللفظ أو قاصدا إليه من دون إرادة المعنى ، أو معها لكن بدون الإرادة الجدية في الإنشاء وقصد وقوع المنشأ في الخارج . وبالجملة : محلّ الكلام ما إذا كان عنوان البيعيّة محفوظا بحيث صدق على الصادر عن المكره : إنية بيع تامّ ، نظير ما لو شرب الخمر مكرها ، فإنّه يصدق أنّ ما صدر منه شرب الخمر . ومن هنا يظهر أنّ ما حكي عن البعض من أنّ المكره قاصد إلى اللفظ دون المدلول ، لا وجه له سواء أريد أنّ لفظه مجرّد الصوت خال عن المعنى أصلا ، أو قصد أنّه خال عن الجدّ في الإنشاء وقصد وقوع المضمون في الخارج ، كما وجّه به المصنف - قدّس سرّه - إذ لو فقد عمله واحدا من هذين لم يكن بيعا ، وخرج عن محلّ الكلام . وليس هنا شيء آخر كان في عقد المختار ، وفقده عمل المكره سوى طيب النفس . فنقول : إن كان المراد رضا الفاعل بالفعل أوّلا وبالذات بحيث كان متكيّفا به ، فلا نسلَّم اعتباره في العقود ، وإلَّا لما كان عقد المضطر إلى بيع داره مثلا لأداء دين مضيّق أو للإنفاق على الأهل والعيال صحيحا ، ضرورة أنّه ربّما يكون فاقدا لهذا المعنى ، بمعنى أنّه يقدم على البيع عن تكلَّف وتحمّل مشقّة . وإن أريد به ما يعمّ الإقدام على الفعل عن تفكَّر في العاقبة وتدبير الأمر ، واختيار أقلّ الضررين ودفع الأفسد بالفاسد ، وإن كان الفاعل غير راض به أوّلا وبالذات ، فلا نسلَّم انتفاءه في المكره ، وأي فرق بينه وبين الملجأ ، فإنّ الأمر دائر هنا بين الضرب أو الشتم ، أو القتل ، وبين بيع الدار مثلا ، وهناك بين عسر المعيشة على العيال أو استقرار الدّين ، وبين بيعها ، فكما أنّه يقدّم البيع هناك على