ميدان الدفاع والجهاد ، دون حملة الفكر والعلم ، أو قادة البيان والخطابة ، أو أن العلماء هم الذين لا يهمهم شئ سوى تدارس العلم وكتابته ، وإلقاء الخطابة ، وبالتالي هم أمراء البيان وأصحاب الفتيا ، فهم يخوضون الوعظ والإرشاد ولا يقتحمون لجج المعارك الدامية ، ولا تعرفهم ساحات القتال . هذا هو الذي يتصوره البعض من مفهومي العالم والشهيد ، ولكن عندما يسبر الإنسان تاريخ العلم والشهادة ويقرأه بإمعان وهدوء ، ينتبه إلى خطأ الفكرة ، لأنه يجد في ثنايا التاريخ بل في متونه ، مجموعة كبيرة من العلماء والمفكرين بين مقتول في المعارك الدامية ، ومستشهد في ميادين الحروب الضارية ، بين مصلوب على المشانق والأعواد ، وبين مقيد في قعر السجون بقي فيها إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة في ظلمها ، وبلين مسموم احترقت أحشاؤه وأمعاؤه إلى غير ذلك من ألوان التعذيب . وكأن شاعرنا المبجل المفلق الفقيه الشيخ محمود البغدادي يشير بقوله إلى هذا لمعنى وفي حق هذا النمط من العلماء الشهداء حيث قال : رجلان في دنيا الثبات * وهبان الحياة إلى الحياة رجل الصراع المر * يعصف باللئام وبالطغاة والعالم الوثاب أمينة * الشعوب الناهضات عاشا بلا ذرات وما * كالعز في سحق الذوات فكانوا يمثلون قول الإمام الوصي أمير المؤمنين - عليه أفضل صلوات المصلين - : " رهبان بالليل وأسد بالنهار " ( 1 ) فلم يحجبهم الخوض في المفاهيم السامية والمعاني الدقيقة أو عكوفهم على استنباط الأحكام من الكتاب والسنة ، عن خوض عباب الحروب
1 - بحار الأنوار : 83 / 207 من كلام الإمام - عليه السلام - لنوف البكالي .