responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فقه المصارف والنقود نویسنده : الشيخ محمد السند    جلد : 1  صفحه : 54


أقوال العامّة في الحيل أمّا فقهاء العامّة فنراهم قد انقسموا في مشروعيّة الحيل ، فحرّمها الحنابلة والمالكيّة تحريماً بتّاً باعتبار أنّها نوع من الالتفاف على الحكم الشرعي الواضح ، واستدلّوا ببعض الروايات النبويّة الواردة في تحريم التحايل للوصول إلى القمار عبر غير القمار . وبما ورد من قصّة أصحاب السبت حيث أنّه قد ورد تحايلهم في صيد السمك يوم السبت ، فنزل فيهم العذاب مع أنّهم لم يصيدوا يوم السبت مباشرة ، واستندوا أيضاً ببعض الوجوه العقليّة .
وأمّا الحنفيّة والشافعيّة فسوّغوا الحيل الشرعيّة الثابت ورودها عن الشارع بشرط أن لا يشترط في العقد .
أمّا المتأخّرون منهم كلجنة الإفتاء المشرفة على البنوك الإسلاميّة في دول الخليج أو في مصر ، فالظاهر منهم تسويغ بعض الحيل الشرعيّة [1] .



[1] قد ظهر منذ البداية في السنن الاُولى من الصدر الأوّل من الإسلام تيّاران متعارضان في أمر الربا عند أهل السنّة : المتشدّدون فيه ، يوسّعون من دائرة الحرمة حتّى يطغى على كثير من ضروب التعامل . والمضيّقون له يحصرونه في دائرة محدودة لا يجاوزها . وعلى رأس من يمثّلون هذا التيّار الثاني عبد الله بن عبّاس ، ( كما يعدّون قوله من أقوالهم ، وإن كان هو شيعيّاً بالمعنى الأعمّ ) ، ومعه طائفة من الصحابة يقصرون الربا على الذي كان معروفاً منه في الجاهليّة ونزل فيه القرآن ، فهم يتلطّفون في الربا ويحصرونه في دائرة ضيّقة . ولكن ما لبث التيّار الأوّل أن جرف التيار المعارض وقامت الكثرة الغالبة من فقهاء العامّة يساندونه ويؤيّدونه حتّى كانت له الغلبة في فقه العامّة . على أنّ فريقاً من فقهاء العامّة - وعلى رأسهم ابن القيّم وابن رشد - حاولوا أن يكسروا من حدّة تطرّف المتشدّدين في الربا ، فميّزوا بين ربا النسيئة وجعلوه هو الربا الجليّ أو الربا القطعي ، وهو حرام لذاته ، وبين ربا الفضل وجعلوه رباً خفيّاً أو رباً غير قطعي ، وهو حرام أيضاً ، لكن لا لذاته بل لأنّه ذريعة إلى ربا النسيئة ، فتحريمه إذن من باب سدّ الذرائع . ثمّ تأكّد هذا الاتّجاه باتّجاه أكثر منه تضييقاً لمنطقة الربا ، فجعل كلاًّ من ربا الفضل وربا النسيئة الواردين في الحديث الشريف محرّمين لا لذاتهما ، بل سدّاً للذرائع وربا الجاهليّة هو وحده المحرّم لذاته . فنحن إذن نواجه اتّجاهات ثلاثة متدرّجة في التضييق من منطقة الربا : أقلّها تضييقاً لهذه المنطقة هو اتّجاه ابن رشد وابن القيّم الذي يميّز ما بين ربا الفضل وربا النسيئة ، فالأوّل هو رباً خفيّ ، والثاني هو الجليّ . ثمّ يتلوه في التضييق الاتّجاه الثاني ، وهو الذي يميّز ما بين الربا الوارد في الحديث الشريف والربا الوارد في القرآن الكريم ، فالثاني دون الأوّل هو الربا الجليّ . وأشدّ الاتّجاهات تضييقاً لمنطقة الربا هو الاتّجاه الثالث ، الذي كان عبد الله بن عبّاس يترسّمه وهو لا يعتدّ إلاّ بالربا الوارد في القرآن الكريم ، وهو ربا الجاهليّة ، فهو وحده الذي يحرّمه ولا يحرّم غيره من ضروب الربا ، فضلاً كان أو نسيئة . ثمّ إنّ الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه مصادر الحقّ في الفقه الإسلامي ( 3 / 200 - 249 ) شرح تلك الاتّجاهات الثلاثة في خمسين صفحة تقريباً ، ونحن نذكر موجزه : الاتّجاه الأوّل : صاحب هذا الاتّجاه هو ابن القيّم ، فهو يميّز في وضوح وإسهاب بين ربا النسيئة وهو ربا جليّ ، أو ربا قطعي ، وبين ربا الفضل وهو ربا خفيّ أو ربا غير قطعي . فعنده أنّ ربا النسيئة محرّم لذاته تحريم مقاصد ، وهو الذي نزل فيه القرآن ، وكانت عليه العرب في الجاهليّة ، وهو الربا الذي لا شكّ فيه كما يقول أحمد بن حنبل . أمّا ربا الفضل فهو محرّم أيضاً ، ولكن تحريم وسائل من باب سدّ الذرائع لا تحريم مقاصد كما حرّم ربا النسيئة . ووجه ذلك : أنّ بيع خمسة دنانير بستّة غير جائز ، وهذا هو ربا النسيئة ، وكذلك هو غير جائز بيعاً حالاً ، وهذا هو ربا الفضل ، ذلك أنّنا لو أجزناه حالاً وحرّمناه نسيئة لاتّخذ النّاس الحال ذريعة إلى النسيئة ولباع رجل من آخر خمسة دنانير في ستّة بزعم أنّ البيع حال ويتواضعان على أجل يقبض البائع عند حلوله ستّة الدنانير ، فيكون قد باع الخمسة في الستّة نسيئة ، واتّخذ ذريعة له في ذلك صورة البيع الحال ، ويكون ربا الفضل ذريعة إلى ربا النسيئة ، فحرّم تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد . وهذا هو ما ورد في أعلام الموقّعين ( 2 / 99 - 100 ) لابن القيّم وابن رشد لا يبعد كثيراً عن ذلك - بداية المجتهد ( 2 / 106 ) . ويترتّب على التمييز بين ربا النسيئة وربا الفضل نتيجة هامّة ، وذلك أنّه لمّا كان ربا النسيئة محرّماً لذاته تحريم المقاصد ، وكان ربا الفضل محرّماً باعتباره وسيلة تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد ، فإنّ درجة التحريم في ربا النسيئة أشدّ منها في ربا الفضل ، ومن ثمّ لا يجوز ربا النسيئة إلاّ لضرورة ملجئة ، كالضرورة التي تبيح أكل الميتة والدم . أمّا ربا الفضل فيجوز للحاجة ، ولا يخفى أنّ الحاجة أدنى من الضرورة ، فكلّما اقتضت الحاجة التعامل بربا للفضل جاز ذلك ، ومن ثمّ تضيق منطقة هذا الربا إذا قامت الحاجة إلى إباحة في بعض صوره بحيث يتبيّن في هذه الصور أنّه لا يمكن اتّخاذه ذريعة لربا النسيئة فينتفي سبب التحريم . ثمّ إنّ ربا الفضل تتّسع منطقته إذا كان في اتّساعها سدّ للذرائع ; إذ هو ذاته إنّما حرّم لأنّه ذريعة لربا النسيئة . فربا الفضل إذن تسيطر عليه فكرتان ، الشبهة والحاجة ، فهي دائرة مرنة تتّسع عند الشبهة وتضيق عند الحاجة . والمراد بالحاجة هو أن تكون هناك مصلحة راجحة مشروعة تفوت بتحريم التفاضل ما بين البدلين ، فالحاجة هي تحقيق هذه المصلحة الراجحة المشروعة ، وعدم تفويتها على المتبايعين . وذكروا لهذا المبدأ تطبيقات أربعة : 1 - بيع العرايا . 2 - بيع المصوغ . 3 - بيع ما دخلته الصنعة بوجه عامّ . 4 - بيع الدراهم المسكوكة . الاتّجاه الثاني : الذي يميّز ما بين الربا الوارد في القرآن الكريم والربا الوارد في الحديث الشريف ، فالأوّل هو الربا الجليّ ، والثاني ربا خفيّ . نقول : إنّ هناك أنواعاً ثلاثة من الربا : الأوّل : ربا الجاهليّة ، وهو الربا الذي نزل فيه القرآن الكريم ، وخصيصته الاُولى هي أن يقول صاحب الدين للمدين عند حلول أجل الدين : إمّا أن تقضي وإمّا أن تربي . الثاني : ربا النسيئة الوارد في الحديث الشريف ، وهو أوسع كثيراً في مداه من ربا الجاهليّة ، بل ويختلف عنه اختلافاً بيّناً في كثير من الصور ، فقد رأينا أنّه بيع المكيل بالمكيل ، أو الموزون بالموزون ، أو الجنس بجنسه ، نسيئة لا فوراً ، ولو من غير تفاضل ، وهذا عند الحنفيّة . أمّا عند الشافعيّة فهو بيع للطعام بالطعام ، أو الثمن بالثمن ، نسيئة لا فوراً ، ولو من غير تفاضل . الثالث : ربا الفضل الوارد في الحديث ، وهو بيع المكيل أو الموزون بجنسه متفاضلاً عند الحنفيّة ، أو هو بيع الطعام ، أو الثمن بجنسه متفاضلاً عند الشافعيّة . هذا الرأي الثاني هو الرأي الذي يقول به طائفة من العامّة ، ومن المتشدّدين فيه رشيد رضا في رسالته في الربا ( 80 - 84 ) . الاتّجاه الثالث : الذي لا يحرّم إلاّ ربا الجاهليّة الوارد في القرآن الكريم ، وفي هذا الاتّجاه ربا النسيئة هو ربا الجاهليّة وحده . ويستدلّ أصحاب هذا الاتّجاه - وعلى رأسهم ابن عبّاس - بحديث رواه ابن عبّاس نفسه عن اُسامة : أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا ربا إلاّ في النسيئة ، فهم لا يحرّمون ربا الفضل ، ولا يحرّمون إلاّ ربا النسيئة ، ويقول ابن عبّاس في بيان ربا الجاهليّة : « كان الرجل منهم إذا حلّ دينه على غريمه فطالبه به قال المطلوب منه : زدني في الأجل وأزيدك في المال ، فإذا قيل لهم : هذا ربا ، قالوا : هما سواء ، يعنون بذلك أنّ الزيادة في الثمن حال البيع والزيادة فيه بسبب الأجل عند محلّ الدين سواء . أحكام القرآن للجصّاص ( 1 / 464 ) . والربا الوارد في القرآن هو ربا الجاهليّة هذا دون غيره . ولكلّ من الاتّجاهات ردود عند تابعي الاتّجاه الآخر . وأمّا العامّة في العصر الحاضر فلديهم اتّجاهان متعارضان في مسألة الربا . انعقد مؤتمر للفقه الإسلامي في باريس سنة 1951 ، وقد ظهر من خلاله أنّ هناك اتّجاهين متعارضين في مسألة الربا في العصر الحاضر . الاتّجاه الأوّل : يستبقيه كما هو في المذاهب الفقهيّة . والاتّجاه الثاني : يذهب إلى أنّ الظروف الإقتصاديّة التي حرّم فيها الربا قد تحوّلت عمّا كانت عليه من قبل تحوّلاً جوهريّاً ، وأنّ حكم الربا في العصر الحاضر ينبغي أن يختلف عمّا كان عليه في العصور السابقة ، وقد مثّل هذا الاتّجاه الدكتور معروف الدواليبي فيقول في المحاضرة التي ألقاها في المؤتمر : « إنّ الربا المحرّم إنّما يكون في القروض التي يقصد بها إلى الاستهلاك لا إلى الانتاج ، ففي منطقة الاستهلاك يستغلّ المرابون حاجة المعوزين والفقراء ويرهقونهم بما يفرضون عليه من ربا فاحش ، أمّا اليوم وقد تطوّرت النظم الإقتصاديّة ، وانتشرت الشركات ، وأصبحت القروض أكثرها قروض الإنتاج لا قروض استهلاك ، فإنّ من الواجب النظر فيما يقتضيه هذا التطوّر في الحضارة من تطوّر في الأحكام . ويتّضح ذلك بوجه خاصّ عند ما تقترض الشركات الكبيرة والحكومات من الجماهير وصغار المدّخرين ، فإنّ الآية تنعكس والوضع ينقلب ويصبح المقترض - أي الشركات والحكومات - هو الجانب القوي المستقلّ ويصبح المقرض - أي صغار المدّخرين - هو الجانب الضعيف الذي تجب له الحماية » . ومن العجيب ما ذهب إليه رئيس الاتّحاد الإسلامي ب - ( جاوة ) من أنّ أحاديث الربا هي من وضع اليهود ، أدخلوها على المسلمين بقصد الإضرار بهم عن طريق تحريم التجارة عليهم في الأصناف التي تجري فيها معظم المعاملات لتكون التجارة في أيدي اليهود . وردّ هذا الرأي الغريب من قِبل كثير من المعاصرين - راجع مجلّة القانون والاقتصاد - ( العدد 9 : 436 - 446 ) طبقاً لنقل مصادر الحقّ ( 3 / 221 ) . هذا من جهة قول العامّة في حكم أصل الربا .

54

نام کتاب : فقه المصارف والنقود نویسنده : الشيخ محمد السند    جلد : 1  صفحه : 54
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست