فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرّوك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إنّ الله يحبّ المقسطين ) و ( وكيف يحكّمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله . . . ) و ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل اللهُ فيه . . . ) [1] . قال الطبرسي ( رحمه الله ) ذيل الآية الأولى : " أراد به اليهود الذين تحاكموا إلى النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في حدّ الزنا ، عن ابن عبّاس والحسن ومجاهد . وقيل أراد بني قريظة وبني النضير لمّا تحاكموا إليه فخيّره الله تعالى بين أن يحكم بينهم وبين أن يعرض عنهم ، عن ابن عبّاس في رواية أخرى وقتادة وابن زيد . والظاهر في روايات أصحابنا أنّ هذا التخيير ثابت في الشرع للأئمّة والحكّام وهو قول قتادة وعطا والشعبي وإبراهيم . وقيل إنّه منسوخ بقوله : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) [2] عن الحسن ومجاهد وعكرمة . ( وإن تعرض عنهم ) أي عن الحكم بينهم ، ( فلن يضرّوك شيئاً ) أي لا يقدرون لك على ضرر في دين أو دنيا . فدع النظر بينهم إن شئت ( وإن حكمت ) أي إن اخترت أن تحكم ، ( فاحكم بينهم بالقسط ) أي العدل ، وقيل بما في القرآن وشريعة الإسلام . " [3] قال الفاضل المقداد ( رحمه الله ) : " . . . وقيل ليس بمنسوخ بل الأمر بالعكس ، والتخيير باق . وهو مذهب أصحابنا لكنّه ليس على إطلاقه ، بل إذا كان الخصمان على ملّة واحدة . أمّا إذا كان أحدهما مسلماً فلا يجوز للحاكم ردّ الحكم فيه إلى أهل الذمّة قطعاً . ولو كانا متغايرين في الملّة كاليهوديّ والنصرانيّ يحتمل الردّ إلى الناسخ . والأقوى تحتّم الحكم بينهم بمذهب الإسلام ؛ لأنّ ردّهما إلى أحد الملّتين موجب لإثارة الفتنة . " [4]
[1] المائدة ( 5 ) : 42 و 43 و 47 . [2] المائدة ( 5 ) : 49 . [3] مجمع البيان ، ج 2 ، ص 196 . [4] كنز العرفان في فقه القرآن ، ج 2 ، ص 378 .