للهلاك ؟ صحيح أنّ الكلام هو فيمن يطمئنّ من نفسه ، ولكن هذا الاطمئنان يكون منشأه في الغالب نتيجة بساطة في التفكير أو جرّاء حبّ الذات . أمّا وجوبه الكفائي فهو ممّا لا خلاف فيه [1] ولأنّ أمر المجتمع لا يستقيم بدونه والعدل والقسط لا يقام إلاّ به . وأنّ الظلم والعدوان من شيم النفوس البشريّة ولذا اقتضت المصلحة وقاعدة اللطف أن يختار الله ورسوله وأمناؤه أشخاصاً يعيّنونهم وينصبونهم لينتزعوا حقّ المظلوم من الظالم وليحفظوا الحقوق من الضياع . ولأجل ذلك أيضاً قد حثّت الشريعة الإسلاميّة على الإصلاح بين الناس ( واتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) [2] وكان الأنبياء يتصدّونه وكانوا مأمورين بالقيام به . قال الله تعالى : ( إنّا أنزلنا عليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين الناس بما أراك الله ) [3] وقد وردت الروايات بذلك مثل المقبولة وخبري أبي خديجة ، وغيرهما . قال العلاّمة ( رحمه الله ) : " القضاء من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط عن الباقين وإن أخلّوا به أجمع استحقّوا بأسرهم العقاب لما فيه من القيام بنظام العالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإنصاف للمظلوم . . . " [4] ثمّ إنّ الإصلاح بين الناس وإقامة العدل والقسط واجب على المجتمع كلّه . فإذا قام به البعض يسقط عن الآخرين لأنّ المقصود قد حصل . ولو لم يوجد بقدر الكفاية وجب على المجتمع كفايته والقيام بأمره ولو لم يوجد سوى واحد تعيّن عليه . والتعيّن وانحصار الوجوب الكفائيّ في الفرد الواحد يصيّر الوجوب الكفائي عينيّاً محضاً يبقى على وجوبه الكفائي بل يتعيّن بالعرض على فرد أو أفراد خاصّة .
[1] كما نقله صاحب الجواهر عن الرياض في جواهر الكلام ، ج 40 ، ص 10 . [2] الأنفال ( 8 ) : 1 . [3] النساء ( 4 ) : 105 . [4] تحرير الأحكام ، ج 2 ، ص 179 .