داعياً إلى الحق ، وشاهدا على الخلق ، فبلغ رسالات ربه كما أمره لا متعدياً ، ولا مقصراً ، وجاهد في اللّه أعدائه لا وانياً ولا ناكلاً ، ونصح له في عباده صابراً محتسباً ، فقبضه اللّه إليه ، وقد رضي عمله ، وتقبل سعيه ، وغفر ذنبه ، صلى اللّه عليه وآله . أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه ، واغتنام ما استطعتم عملاً به من طاعته في هذه الأيام الخالية ، وبالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تكونوا تحبون تركها ، والمبلية لكم وإن كنتم تحبون تجديدها ، فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سبيلاً فكأن قد قطعوه ، وأفضوا إلى علم فكأن قد بلغوه ، وكم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتى يبلغها ، وكم عسى أن يكون بقاء من يوم لا يعدوه وطالب حثيث في الدنيا يحدوه حتى يفارقها ، فلا تتنافسوا في عز الدنيا وفخرها ولا تعجبوا من زينتها ونعيمها ، ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها ، فإن عزّها وفخرها إلى انقطاع ، وإن زينتها إلى زوال ، وإن ضرها وبؤسها إلى نفاد ، وكل مدة منها إلى منتهى ، وكل حي منها إلى فناء وبلاء أوليس لكم في آثار الأولين وفي آبائكم الماضين معتبر وتبصرة إن كنتم تعقلون ؟ ألم تروا إلى الماضين منكم لم يرجعون ، والى الخلف الباقين منكم لا يبقون ؟ . قال اللّه تبارك تعالى ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) [1] وقال : ( كل نفس ذائقة الموت وأنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) [2] أولستم ترون إلى أهل الدنيا وهم يصبحون ويمسون على أحوال شتى فميت يبكى ، وآخر يعزى وصريع يتلوى ، وعائد ومعود ، وآخر بنفسه يجود وطالب الدنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه ، وعلى أثر الماضين يمضي الباقي .