أو مدح ، أو ذمٌّ ، أو مفاخرة وذكر نَسَبٍ ، أو حكاية رزيّةٍ والتَلَهُّف على نازلةٍ . فلا يعتبر في اتّصاف الصوت بمصطلحات أصحاب الموسيقى ملاحظةُ المقروءات ومعانيها كما لا يخفى ، بل الملحوظ إنّما هو نفسُ الصَوْتِ والنَغْمةِ . وذلك إنّما يتمُّ في الغِناء فقط ؛ إذ ليس مدلول سائر الألفاظ المذكورِ كيفيةً من الصوت بدون اعتبار المَقْروء والمدلولِ . فإنّ الحُداء في اللغة هو سَوْق الإبل وزَجْرها في السَيْر مع الغِناء لها ليَحُثَّ على السَيْر ، فالحُداء ليس موضوعاً لكيفيّةٍ أخرى من كيفيّات الصوتِ غير الغِناء ، ولا هو نفسُ الغِناء وإن استُعِينَ به . فلا يصحُّ جعلُه قسيماً للغِناء في الكيفيّات الموسيقيّة . ولا يُنافي ذلك استعمالَ لفظِ الحُداء في مقامٍ من مقامات الموسيقى أيضاً كالحسينيّ والمنصوريّ والرهاب . [1] ولا تباينَ بينها وبينَ الغِناء أيضاً . ولا مَدخليّةَ لنفس المَقْروءِ من حيثُ هو مدلولُه ؛ لأنّ الإبل لا يُمَيِّزُ بينَ المقروءاتِ والمدلولِ ، ولكنَّها يُمَيِّزُ الصوتَ الحسنَ عن غيره ِ ، فيَستريحُ بالصوت لملايمة طبعِها ، ويسهل عليها مَشَقَّة السَيْر . ولا ينافي ما ذَكَرْنا أيضاً التزامَ هذا المقامِ الخاصِّ في التَغَنّي للإبل أيضاً ، كما لا يَخفى . وكيف كان ، فلا وجه َ لِجَعْلِ الحُداء قَسيماً للغِناء ؛ إذ ليس هو من أقسام كيفيّات الصوتِ كما عرفتَ . وإن لوحِظَ كونُه على مقامٍ خاصٍ من المقامات الموسيقيّة ، فإن سُلِّمَ ذلك فيكون أخصَّ من الغِناء مطلقاً لا مُبايناً ولا قسيماً له . وإن فُرِضَ حينئذٍ تَحَقُّقُه ُ بغيرِ الغِناء ، فهو أعمُّ منه من وجه ٍ . فلا وجه َ لِتخصيصه بالذِكرِ ؛ إذ سائرُ المقامات أيضاً أخصُّ منه من وجه ٍ . ولِكُلٍ منهما مصلحة خاصّة ، وتأثير
[1] راجع : واژه نامهء موسيقى إيران ، ج 1 ، ص 377 - 379 و 556 - 558 .