ومنه تعرف أن لا وجه لمنع شموله للنابع ، بل لم نعرف إلى الآن أن يراد من مثل هذا الاستعمال الماء الغير النابع ، وعلى فرض صحّة الاستعمال فيه ، فهو في غاية الندرة ، فلا ينصرف إليه إطلاق تلك اللفظة . مع أنّه تنافي هذه الدعوى منه - طاب ثراه - لما سبق منه ومن القوم من عدم إطلاق الجاري إطلاقاً حقيقياً على المياه الجارية من الثلوج ، وإن صارت شطوطاً ، وسبق نسبة دعوى كونها من الأفراد الحقيقية للجاري إلى النراقي في مستنده مع تضعيفه . وبالجملة فلا مجال لإنكار فهم العرف عن مثل تلك التنزيلات والتشبيهات أنّ للماء الجاري خصوصية في الاعتصام ، ولذا ترى أنّه ( عليه السلام ) في كلّ مورد يريد أن يبيّن لمخاطبه عصمة ماء مخصوص يشبّهه بالجاري كماء المطر ، فيعلم أنّ معصوميته كانت مسلّمة عند الرواة أيضاً . ويشهد له التعليل الوارد في صحيحة ابن بزيع التي تقدّمت في البئر ، ويدلّ على المطلب أيضاً المرسل المحكي عن نوادر الراوندي : " الماء الجاري لا ينجّسه شيء " [1] . وما عن دعائم الإسلام ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال في الماء الجاري يمر بالجيف والعذرة والدم : " يتوضأ ومنه يشرب ، وليس ينجّسه شيء ما لم يتغيّر أوصافه طعمه ولونه وريحه [2] . وعن الفقه الرضوي : " اعلموا رحمكم الله أنّ كلّ ماء جار لا ينجّسه شيء " [3] ، بل تلك الروايات لمجبورية سندها بالإجماعات والشهرة اللتين ذكرناهما البالغة به حدّ الحجية قطعاً بمنزلة أصل يرجع اليه بعد فرض تكافؤ الأخبار السالفة مع عمومات انفعال القليل ، سيّما مع اباء عموم الرضوي المصرّح فيه بالعموم عن التخصيص ، فيتمّ به المطلوب وهو عاصميته مطلقاً ، مع أنّ المرجّح أكثر من أن يحصى .
[1] نوادر الراوندي : ص 39 . [2] دعائم الاسلام : كتاب الطهارة ج 1 ص 111 . [3] الفقه المنسوب إلى الامام الرضا ( عليه السلام ) : 91 .