ونهيه من العقاب على ترك الأوّل وفعل الثاني كان صحيحاً قطعاً ، لأنّه من جملة أنحاء العبودية والطاعة ، بل هو أحد تفاسير اللطف الذي جعلوه وجه الوجوب وهو الشكر ، حيث إنّ مآله إلى المجازاة من الطرفين بمعنى أنّه يجب على المنعم عليه القيام بإطاعة منعمه يكون شكراً لإنعامه ، فإنّ صرف النعم مع عدم الاعتناء بالمنعم كفران ، وكذا يحقّ للمنعم أن يلاحظ المقيم في طاعته ويكرمه بنيل نواله وتشريف أفضاله ، والآيات والأخبار المرغّبة والمرهّبة كلّها مشاملة لما ذكرناه دالّة على صحّته وهو أي الممتثل خوفاً أو رجاءً داخل فيمن مدحهم الله ، لأنّه مدح الراجين والخائفين . وما ورد [1] بهذا المضمون من أنّ العبادة خوفاً عبادة العبيد ، والعبادة طمعاً للثواب عبادة الاُجراء ، وعبادة الأحرار هو حقّ العبادة ، وهو غيرهما وأفضلهما أيضاً لا ينافيه ، لأنّه بيان لمراتب الكمال والنقص ومنزّل على ما عن أمير البررة من أنّه ما عبد الله خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنّته ، بل وجده أهلا للعبادة فعبده ، بل هو أيضاً دليل على الصحّة لما يقتضيه قضية الأفضلية ، فما عن قواعد الشهيد ( قدس سره ) من دعوى قطع الأصحاب بفساد العبادة لتحصيل الثواب أو دفع العقاب كما عن العلاّمة في أجوبة المسائل المهنّائية أيضاً : " اتفقت العدلية على أنّ من فعل فعلا لطلب الثواب أو لخوف العقاب لا يستحقّ بذلك ثواباً " انتهى . وعن الرازي في تفسيره الكبير دعوى اتفاق المتكلمين على عدم صحّة هذه العبادة ، بل ونسبته إلى الشهرة المحقّقة أيضاً ، بل عن رضي الدين بن طاووس القطع بالفساد محمول على ما إذا قصد الفاعل بفعله نفس الثواب أو دفع العقاب من دون التفات منه إلى المولى أصلا ، كما نشاهده في اُجَراء الظلمة حيث نرى أنّ داعيهم على العمل غالباً ليس إلاّ أخذ الأجر كعملهم لغيره ممّن هو دونهم في الرتبة . فالوضيع والشريف عندهم بمرتبة سواء لا يلاحظون إلاّ ما يستحقّونه من قبل
[1] نهج البلاغة : ص 510 من كلماته القصار رقم 237 .