على أربعين ألف بيت ، إلاّ أنّه فائق على كلّ من تقدّمه من كتب الفن ، مع أنّه إنّما صنّفه في بعض الأسفار ، وهو في بيت السرير ، ولم يكن عنده من كتب الفقه غير : قواعد العلاّمة ، كما نقله الثقات » . وقال الشيخ النوري : « كشف الغطاء - الذي ألّفه في سفره - ينبئك عن أمر عظيم ، ومقام عليّ في مراتب العلوم الدينية ، أُصولاً وفروعاً . وكان الشيخ الأعظم الأنصاري يقول ما معناه : مَن أتقن القواعد الأُصولية التي أودعها الشيخ في كشفه ، فهو عندي مجتهد . وحدّثني الشيخ الأُستاذ [1] قال : قلت لشيخي صاحب الجواهر الكلام : لِمَ أعرضتَ عن شرح كشف الغطاء ، ولم توّدّ حق صاحبه ، وهو شيخك وأستاذك ، وفي كتابه من المطالب العويصة ، والعبارات المشكلة ما لا يُحصى ؟ فقال : يا ولدي أنا عجزان من أووات الشيخ ، أي : لا أقدر على استنباط مدارك الفروع المذكورة فيه بقوله : أو كذا أو كذا » [2] .
[1] هو الشيخ عبد الحسين الطهراني ، المشهور بشيخ العراقين . وهو الذي تصدّى لطبع : كشف الغطاء ، لأوّل مرّة ، وتقدّمت قصة عثوره على النسخة الصحيحة في ترجمة الشيخ راضي نصّار . [2] علّق السيد الأمين على هذه الحكاية بقوله : « هذا كلام اقتضاه السَمَر والمحادثة ، ولا يبتني على حقيقة راهنة ، فهو كسائر ما يتحدّث به العلماء الأعلام من الأُمور الشعرية المحضة ، ثمّ ينقل عنهم كثيرون كحقيقة راهنة ، وليس له من الحقيقة نصيب ، وهذا أمر قد اعتاده أهل هذه الأعصار ، لما اعتادوه من المبالغات ، فالعجب من الشيخ عبد الحسين الطهراني ، كيف يعتقد من صاحب المستدرك كيف يظنّ أنّ صاحب الجواهر كان يمكن أن يجعل كتابه شرحاً لكشف الغطاء ؟ ! والعجب من صاحب المستدرك كيف يظنّ أنّ صاحب الجواهر قصد من هذا الجواب الحقيقة والواقع ، لا مجرّد الإقناع ؟ ! فكشف الغطاء مع ما هو عليه من الجودة في موضوعه ، ليس قابلاً لأن يكون متناً لمثل كتاب الجواهر ، الذي يراد به جمع جميع كتب الفقه وأدلّة مسائله ، وكشف الغطاء لا يحوى جميع كتب الفقه . هل أووات الشيخ أصعب في شرحها من ترددات المحقق » . أقول : العجب من السيد الأمين كيف حمل كلام الشيخ الطهراني على هذا المعنى ؟ ! أفهل يعقل أن يكون مراده جعل كشف الغطاء متناً للجواهر ؟ ! بل الظاهر أن مراده - والله العالم - الإشارة لأستاذه بأُسلوب مؤدَّب إلى أنّه لم تكن هناك حاجة ماسّة لكتابة موسوعة فقهية كالجواهر ، مع وجود مفتاح الكرامة ، ولا شرح الشرائع ، مع وجود الشروح المبسوطة الكثيرة ، وأنّه كان الأجدر بأُستاذه أن يتصدّى لشرح كشف الغطاء ، فذلك أنفع لطلاب العلم من كتابة دورة فقهية ، إذ الحاجة إليه أمسّ ، لأنّ كشف الغطاء يتضمّن مطالب هامّة ، ومبهمات ومعضلات ، فيحتاج إلى شرح . وكأنّه يشير أيضاً إلى أستاذه بأنّك الأقدر من غيرك على ذلك . هذا بالنسبة إلى سؤال الطهراني . وأمّا جواب صاحب الجواهر فليس مراده بالعجز عدم القدرة - كما توهّمه الناقل - ، بل الظاهر أنّ مراده الضجر والسأم من كثرة تفريعات الشيخ كاشف الغطاء ، وطرقه لاحتمالات غير مبتلى بها ، كما هي عادته في سائر أبحاثه ، وجمعه للشوارد حتى البعيدة عن المقصود بالبحث .