عن لسان فحل الفحول ، ومجدد علم الفروع والأُصول ، الرجل الذي يظهر - بكلّ وضوح وصراحة - لمن وقف على مصنّفاته تمسكه بالموضوعية البحتة في البحث العلمي ، وتقييم آراء العلماء ، وتحفظه التامّ عن إطلاق النعوت والألقاب العلمية وحرصة الشديد فيها إلاّ على الجدير بها . على أنّ هذا النعت لا يخلو من دلالة على كمالاته المعنوية . ذلك الجانب الذي لم يتوان المترجم له عن نيل السامي من مراتبه ، والرفيع من درجاته . كيف لا ! ؟ وهو يتهجّد في أسحاره ، مفترشاً الأرض ، واضعاً خدّه على التراب ، متضرّعاً ، باكياً ، متذكراً لأنعم الله عليه ، معاتباً نفسه على عدم القيام بشكرها ، معترفاً بالتقصير في أداء حقّ سابغها ، موبّخاً لها على ذلك قائلاً تارة : « كنت في الصغر تُسمّى جعيفراً ، ثمّ صرت جعفراً ، ثمّ سمّيت الشيخ جعفر ، ثمّ الشيخ على الإطلاق ، فإلى متى تعصي الله ولا تشكر هذه النعمة » . وأُخرى : « يا جعفر ، يا جعيفر ، يا قليل الحياء ، يا كثير الشقاء » . وحكي عنه أنّه سمع بعض الباعة المتجوّلين يعرض بضاعته في وقت السحر ، فأخذ يخاطب نفسه : « يا جعفر إنّ هذا الرجل من أجل أن يبيع بقروش قليلة قد ترك نومه وتحمّل البرد ، فلا تمنّ على الله بعبادتك » . وعن الشيخ محمد تقي البرغاني ، أنّ المترجم له لمّا زار قزوين ، وحلّ ضيفاً في دار أخيه ، قام في غلس الليل يتهجد ببكاء وصرّاخ وأنين ، فتأثّر بما رآه من أحوال الشيخ المترجم له في تلك الليلة ، ممّا جعله يواظب على قيام الليل مدّة خمسة وعشرين سنة ، من هيبة تلك الليلة . كما أنّ الشيخ الأعظم قد وصفه أيضاً تارةً ب ( فقيه عصره ) ، وأخرى ب ( شيخ مشايخنا ) . ويغنيك عن كلّ هذا الإطراء والثناء ، وشهادات الأعلام ، وتعظيمهم