إذا فعلوا الطاعة والمعصية بالاختيار التامّ منهم ، وهو كمال القدرة على فعل الطاعة والمعصية وتركهما ؛ لأن الذي تكون أفعاله بنوع من الجبر وسلب الاختيار لا يعدّ مطيعاً ولا عاصياً كالقَدُوم [1] في يد النجّار ، والنار إذا أحرقت الحطب ، والماء إذا بلّ الثوب ، فإن ذلك لا يعدّ طاعة ولا معصيةً . ويجب أن يكون الرسول معصوماً من السهو والكذب والغلط والنسيان ، وعن جميع النقائص ؛ إذ لو كان الرسول ليس كذلك لم يكن أولى من غيره بالرسالة ، ولم يقطع الناس بما يخبرهم به عن الله ، وبما يأمرهم وينهاهم به عن الله أنه أمرُ الله ونهيه . ولا يمكن أن تصدر منه معصية في حال من الأحوال ؛ لأن قوله وفعله حجّة في كلّ حال ؛ وذلك أنه خليفة الله ونائبه ، وواجب الطاعة على جميع الخلق . فلو أمكن منه المعصية في حال لزم أن يوجب الله تعالى طاعة العاصي في حال عصيانه ، وهذا لا يجوز ؛ لأن هذا ظلم والله تعالى منزّه عن الظلم والعتب . أينهى الله العباد عن المعاصي ويأمر بطاعة العاصي ؟ هذا محال . ويجب أن تعلم أن الرسول إلينا هو محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وآله : ، وهو المدفون الآن في المدينة في بيته ؛ وذلك لأنه قال « أنا رسول الله إليكم [2] » ، وأتى بالمعاجز الدالَّة على أنه رسول الله إلى الخلق ، فقد سلَّم عليه الغزال [3] ، وسبّح في كفّه الحصى [4] ، وانشقّ له القمر [5] ، وغير ذلك من معاجزه صلى الله عليه وآله [6] التي أكبرها القرآن ؛ فقد عجز الخلق أن يأتوا بسورةٍ من مثله إلى يوم القيامة .
[1] القَدُوم : التي ينحت بها . لسان العرب 11 : 69 قدم . [2] كنز العمال 13 : 292 / 36849 ، باختلاف . [3] دلائل النبوّة 6 : 34 35 . [4] انظر : الخرائج والجرائح 1 : 159 / 248 ، مناقب آل أبي طالب 1 : 126 ، دلائل النبوّة 6 : 64 . [5] مناقب آل أبي طالب 1 : 163 ، إعلام الورى بأعلام الهدى : 38 ، البداية والنهاية 3 : 146 . [6] انظر السيرة النبويَّة ( ابن هشام ) 1 : 264 265 .