فلو فكَّر في تصوّر الإنسان وتنقّله من الماء المهين إلى أن يكون إنساناً [ يحاول [1] ] بعقله علم ما في باطن السماوات وتخوم الأرضين ، مع عجزه في كلّ أحواله عن جلب رزقه وما يصلحه ويزينه ، وعن دفع المهلكات عن نفسه ، لعلم أن له صانعاً لا يشبهه شيء ولا يعجزه شيء ، غنيّ عمّن سواه بذاته ، حكيم عليم . وبالجملة ، فطر العقول مقرّة بالضرورة أن كلّ أثر وصنع وخلقٍ لا بدّ له من مؤثّر وصانع وخالق لا يشبهه . < فهرس الموضوعات > في كونه تعالى غير مصنوع < / فهرس الموضوعات > في كونه تعالى غير مصنوع فإذا علمت أن لهذا الخلق خالقاً موجوداً لوجود الصنع واستمراره ودوامه ، عرفت أن لهذا الخلق صانعاً غير مصنوع ؛ إذ كلّ مصنوع يفتقر إلى صانع ؛ فإمّا أن يكون في الوجود صانع غير مصنوع ، أو لا يوجد مصنوع ، وقد وجد مصنوع ، ومتى وجد مصنوع لزم وجود صانع غير مصنوع . < فهرس الموضوعات > في كونه تعالى واحداً < / فهرس الموضوعات > في كونه تعالى واحداً فاعلم أن صانع هذا الخلق واحد حقيقيّ ، بمعنى أنه لا يشبهه شيء * ( لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ ) * [2] ؛ إذ لو كان له شبه لم يتميّز الخالق من المخلوق ، ومن المحال أن يكون أحد المتماثلين خالقاً والآخر مخلوقاً ؛ إذ لا يُعرف الخالق . مع أن حقيقة الخالقيّة ومعناها مباينة لمعنى المخلوقيّة وحقيقتها ، لأن الخالقيّة فعل وإفاضة ، والمخلوقيّة انفعال وقبول استفاضة ، فمحال أن يكونا مثلين . وأيضاً لو كان له تعالى شبه لاحتاج كلّ منهما إلى ما يميّزه من الآخر ؛ إذ من المحال أن يكون اثنان لا يتميّز أحدهما [ من [3] ] الآخر ، ولمّا كانا اثنين متشابهين والمميّز لكلّ منهما عن شبهه حاكماً على كلّ منهما بأنه هو ، وأنه غير الآخر ، ومبيّناً
[1] في المخطوط : ( يحاوله ) . [2] الشورى : 11 . [3] في المخطوط : ( عن ) .